النماذج والتمثيل، وخضعت له شعوب متباينة الجناس والأشكال، متغايرة الألوان من بيض وسود وصفر، وكان خضوع هذه الشعوب عن رضى وإيمان، كما يتبخر الماء في الهواء، وذلك لأن نظام الإسلام سوى بين الناس، وجعلهم صفاً واحداً كلهم سواء، ومحا بينهم من فوارق الجنس واللون والطبقة والقبيلة، وحطم الحواجز التي كانت بين أبناء الشعوب بل بين أبناء الشعب الواحد، وسوى بين الرجل والمرأة، ونادى بأن الناس سواسية لا فضل لابن البيضاء على ابن السوداء إلا بالتقوى والعمل الصالح المثمر، وقد تزاوج العرب مع جميع الأجناس والشعوب التي افتتحوا بلادها فكان هذا سبباً من أسباب الانتشار.
هذا الانتشار السريع الذي حدث في أقل من قرن من الزمان يرجع إلى أسباب كثيرة. . منها، وأهمها: المساواة بين المسلمين مساواة مطلقة في الدين والدنيا، وبساطة تعاليمه وقربها من الفطرة، والنماذج في كثير من عناصر الجنس والثقافة، وتلاقح الأمزجة من صنوف البشر، كل هذا وغيره أخرج مدنية بهرت شعوب العالم بجلالها وبهائها ورحابة ساحتها وتعدد مناحبها ولم يمض زمن طويل حتى طأطأت رؤوس البشر في مختلف بقاع الأرض للثقافة الإسلامية من علوم وفنون، وحتى غمرت هذه الثقافة الجزء المحصور بين آسيا الشرقية وإسبانيا بالجامعات الكبيرة ودور الكتب العامرة والمساجد الفخمة، في هذا الوقت الذي كانت تزحف فيه الثقافة الإسلامية زحفاً سريعاً كانت أوربا ترزح تحت أنقاض المدنية الرومانية، وتئن من الظلم والفوضى والاستبداد.
غير أن هذه المدنية الشامخة سرعان ما رأيناها تهوى بنفس السرعة التي سمت بها وذلك لتفكيك الشرائع القومية التي غزاها الإسلام ودخلت في حوزته وما أعقب هذا من ازدهار فلم تلبث هذه الحركة أن أعقبها السكون وتبدلت القوة وهناً وضعفاً، فإذا بنا نرى النور المتألق سناً وقوة، ويخيم عليه ظلام قاتم ويصبح المجد الزاهر قصصاً يحكيها لنا التاريخ كأمثلة نادرة لعدالة الحكم والخدمة العامة والبطولة الفذة والتضحية بالنفس والمال في سبيل العقيدة.
لا مراء في أن الدين الإسلامي ينتشر في الأمم التي تعيش على البداوة والفطرة، وأنه كلما التقى بالمسيحية في ميدان التنافس الحر، صرعها وتغلب عليها، ولكنه اليوم يعيش بعيداً عن الثقافة البشرية، والمم الإسلامية ترزح تحت أنظمة من الحكم الذي يخالف الإسلام