للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأبهائه، حتى تصل إلى السدّة العليا، فتجلس عليها، دون الأنبياء وفوق العظماء!

قف أيها الرجل! ألقِ عنك هذا السلاح الذي جئت تحارب به دين الله: إن دين الله لا يحارب!

ارم هذا السيف الذي توشحته لتقتل محمداً، وتقضي على بدعته الجديدة، وتبيد أصحابه التسعة والثلاثين! إن محمداً رسول الله وسيد كل من قال: أنا إنسان، لن يقتل! إن هذه البدعة التي كتب لها أن تغلب على العالم، وتبقى ما بقى الزمان ظافرة منصورة لن يقضى عليها. إن هؤلاء التسعة والثلاثين رجلاً سيملكون الدنيا؛ سيصيرون أربعين ألفاً، أربعين ألف ألف، أربعمائة ألف ألف، سيصيرون هم سكان هذه الكرة. . . إنهم لن يبيدهم سيفُك يا عمر!

بل سيعزّهم الله بك، ويستجيب فيك دعاء نبيّه ومصطفاه، صلى الله عليه وسلم. . . فتعال! اغمد هذا السيف. اقبض هذه اليد التي رفعتها لتضرب بها امرأة. تعال اغتسل من شركك وجهالتك وجفائك وقسوتك. إنك ستمشي إلى مشرق النور، إلى دار الأرقم في أصل الصفا، فتشهد فيها أنه لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله!

يا لسرّ الكلمة السماوية: لا إله إلا الله محمد رسول الله! لقد نقلت عمر من ظلمة الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن حضيض الخمول إلى قُنّة المجد، ومن مهامِهِ النسيان إلى صدر التاريخ. . لقد ذهب عمر الفظّ القاسي الذي كان مطية لقريش في ظلمها وشركها وجبَروتها الزائف، فينصر الباطل على الحق، والشرك على التوحيد، وجاء الفاروق العادل الرؤوف الرحيم، البطل الخالد العظيم، العبقريّ الذي أدار أربع ممالك، لقد جاء أمير المؤمنين، سيف الإسلام وعزّ الدين!

يا للعجب العجاب! إن الرجل الذي خرج في الهاجرة المحرقة، في هذا اليوم العصيب، منتضياً سيفه، لا يلوى على شيء حتى يقتل محمداً، قد رجع وهو يحب محمداً (صلى الله عليه وسلم) أكثر من أمّه وأبيه والناس أجمعين!

إنها قد تعرض للمرء لحظات تبدل مجرى حياته، ولكنا لا نعرف - ولا يكاد يعرف أحد - مثل هذه اللحظة المباركة، التي قلبت هذا الرجل قلباً، فارتقى مرّة واحدة من بدويّ منكر لا يعرفه إلا قومه، إلى عبقريّ سيعرفه التاريخ بأنه قاهر كسرى وقيصر وباني الكوفة

<<  <  ج:
ص:  >  >>