أمره بين الشك واليقين، فكتب المقالات، وألقى الأحاديث ونشر بعض الصور، فأما العلماء فأنكروا، وأي شيء ايسر على العلماء من الإنكار؟ وأما غير العلماء فصدقوا وأي شيء ايسر على غير العلماء من التصديق؟
ثم تنتقل الأنباء من أوربا إلى أمريكا عابرة إليها المحيط، فيضطرب العالم الجديد اضطرابا، وإذا البرنامج كله قد تحقق، دهش الناس ثم اضطربوا، ثم صدقوا، ثم اندفعوا، فكان العبث بالعقول، ثم بالخيال ثم بالأيدي، ثم بالجيوب، فإذا كان شهر نوفمبر، فان البعثة ستعبر المحيط، ثم تعبر البحر أيضا، ثم تمضي في الصحراء، وما اكثر ما في الصحراء العربية الجنوبية من بقايا المدن القديمة التي عرفها الناس والتي لم يعرفوها، ومن يدري!،! لعل هذه الجنية التي تراءت للأديب الفرنسي ملرو، أن تبر بالوعد، وتفي بالعهد، وتهدي إلى العلماء المنكرين وغير العلماء المصدقين، مدينة قديمة فيها من الآثار ما يعوضهم من هذا العبث الذي يخضعون له في هذه الأيام تعويضا حسنا.
لا ينبغي انم ننكر على الأدباء حياتهم هذه التي يمضون فيها مع الخيال والوهم، ويسمعون فيها لأحاديث الجن والشياطين، ويتبعون فيها آمالهم وأمانيهم، فان هذه الحياة لذيذة في نفسها بالقياس إلى الأدباء أنفسهم، وبالقياس إلى الناس حين يسمعون أنباءها. ثم هي في كثير من الأحيان خصبة منتجة، تبدأ بالحلم والوهم والأمل، وتنتهي إلى اليقظة والحق واليقين. لا ينبغي أن ننكر على الأدباء حياتهم هذه وإنما ينبغي أن نتمنى لأدبائنا وشعرائنا حياة مثلها يملؤها الوهم والخيال والأمل، ويملؤها النشاط والجد والعمل والصبر على احتمال الجهد، وعلى احتمال السخرية والاستهزاء بنوع خاص.