وقد أصبح سلطان الوظيفة عظيماً في مصر حتى أن بعض كبار الموظفين المجردين من كل ثقافة يصيرون أعضاء في لجاننا العلمية (بحكم الوظيفة) وحدها، ولو أقصتهم اللجان عنها لحاربوها. .
ومن البينات على سلطان الوظيفة أن بعض الوزراء ووكلاء الوزراء لا يكادون يتركون الحكم حتى تترامى الشركات الأجنبية على أحضانهم وتعرض عليهم المناصب الكبرى الصورية أو غير الصورية في إدارتها. والواقع أن هناك سياسة عامة متصلة الحلقات متساندة يشد بعضها بعضاً ترمي إلى أغراض واضحة معينة.
وقد كانت الوظائف مستقرة إلى حد قبل الثورة ثم صارت قلقة مقلقلة كأنما أصابها مس من الشيطان، ولاشك أن الثورة والاضطراب الطبيعي الذي نفثته في الحياة العامة، ولاشك أن تكاثر الأحزاب وتعددها ووجود الحياة البرلمانية كان لها أثرها في (تفاعلات) الوظيفة وتقلب الوجوه عليها من وصوليين ومرائين واللاعبين على الحبل وماسكي العصا من الوسط. .
وقد أخبرني رئيس حزب كبير في سويسرا مرة أن مصيبة الأحزاب أنها تفتح ذراعيها لكل من هب ودب من أنصارها (وكل يدعى حباً لليلى. .) فإذا كانت هذه حال الأحزاب في أوروبا فكيف تكون حالها في مصر؟ في أوروبا يجد الحزب بفضل كثرة (الرجال) نقطة توازن لحياته، أما في مصر حيث الرجال قليل، وإن تكاثر الطغام، فان حياة معظم أحزابنا الداخلية مرسح تُمثَّل عليه في مضطرب ضيق ألوان المهازل والمآسي والمطالع التي لا تربطها رابطة بمبادئ الحزب وأغراضه
فالثعابين والذئاب والأفاعي نكاد نجدها تسعى حثيثاً صباح مساء، وتزحف وتدب، وتتزاحم، وتجتمع وتتفرق، وتنطوي وتنتشر في كل حزب وفي كل ناحية من نواحي المجتمع ولكن من خلف ستار