العظيم عيد الجمال. عيد الحسان. عيد المعجزات والخوارق. .
لا يخفى عليك يا بني أنه سيمر موكب الكهنة من الشارع القريب منا. . . وستشاركه فرق الموسيقى. . . وستصدح بموسيقاها العذبة وألحانها الندية حتى تحيي في قلوب العذارى الطاهرات أملا وعزيمة لاستقبال الحياة الباسمة. . . ولتبعث في نفوسهم رجاء للمضي في سبيل العيش الهنيء. .
هؤلاء العذارى اللواتي حباهن الله بالطهر، وألبسهن ردأ العفة، سيمررن اليوم وعلى يد كل واحدة منهم سلة ملئت بالورد والزهر. . . كي تنثره على الجماهير التي ستحتشد على جانبي الشارع إكراما لهذا اليوم. . وتبجيلا للعيد العظيم. .
حاول يا بني. . حاول أن تنهض. حاول أن تقف على قدميك، حتى يبسم قلب أمك ويضحك فؤادها المكلوم. . فآنت قرة عينها الوحيد بعدما ترملت بعد أبيك. . أنت البلسم الشافي لجرح أمك العميق الذي لن يندمن من حزنها وألمها على أبيك. . فلا تدع الحسرة تستقر في قلبك، هذه الحسرة التي جعلتك طريح الفراش، حسرة الحب والهيام. .
فأجابها (ولهلم) بصوت تكاد الزفرات تخنقه: بالله عليك. . يا أماه دعيني. . دعيني وشأني. . فليس في مقدوري أن أنهض. . ولا أريد أن أسمع شيئا، لأنني أكاد لا أفهم ولا أميز أي شيء. . كأنني يا أماه أرى النور ظلاما. . وأشعر السرور عذابا. . إذ أحس بنار تتأجج في صميم قلبي. نار خفية لا أدري ما كنهها. . ولا أعلم ما سببها إلا أنني أعتقد أن مصدرها موت حبيبتي جريتش. جريت. .
وكاد الصوت يخونه عندما لفظ اسمها ولكنه تمتم مردفا: أنا اليوم يا أماه. لا أفكر إلا بها. . فبموتها قد أظلم عالم الحياة الهنيئة عالم الحب البهيج، وأقفرت وديانه، وتبددت أخيلته، وافتضحت أوهامه. فاستحال مقبرة موحشة لا حياة فيها. . وذلك بعد ما غادرتني حبيبتي إلى دنيا السعادة الهانئة، وتركتني على فراش الألم والحسرة.
وما إن سمعت أمه ذلك حتى تسرب إلى قلبها الخوف والهلع وغمرها الأسى. . فصاحت من أعماق فؤادها: ولهلم. . رحمة بقلب أمك، ورأفة بحياتها. . أنت عزاؤها الوحيد. أنت هناؤها وسعادتها. رفقا بأمك. . انهض. . وتوكأ على ذراعي وجرب أن تخرج معي حاملا مسبحتك البراقة ومرافقا كتاب الصلاة. . أنهض كي نذهب ونرتل معا. ونصلي أمام هيكل