ذاك النفر القليل الذين ساحوا في البلاد العربية، وفقهوا سر شكواها وكنه مصابها. ولقد وجدنا في هؤلاء نصيراً شد عضدنا، وسدد خطانا، وبذل في سبيل قضيتنا الوقت والمال عن سماحة وطيب نفس.
أخذنا ندمج المقالات الضافية، تنطق بالحقائق الناصعة، ونذيعها تارة بالخطابة، وأخرى بالكتابة، على الرغم من إيصاد الصحف أبوابها دوننا. وقد مُهد لنا السبيل لمناقشة فريق من أعضاء المجلس النيابي، فكان منهم من يرى رأينا ويشد أزرنا، ومنهم من يشيح بعطفيه ويزور جانباً.
لم نقصر دعوتنا على طبقة دون أخرى من الناس، بل جلنا جولات صادقات في كل مجتمع وندى، وهتفنا باسم فلسطين العربية ما أتيحت لنا الفرصة.
جاءت وفود العرب تترى لحضور حفلات التتويج، يقدمهم أمراء العرب الأمجاد، فقلنا: لنا لن يجتمع في هذه البقاع من أبناء العروبة جمع مثل هذا يحميه ويؤيده ويزينه سلائل الملوك الصيد من أبناء عدنان وقحطان. . .!
فلنصرخ صرخة مدوية تخترق شغاف هذه الأفئدة التي أغواها الصهيونيون، ولكن زأرة الأسد ربع حماه، لحمتها الشمم، وسدها الإياء، لا عويل الذليل يسترحم القلوب بالنحيب والبكاء. . .
رغب صحبي في أن يقيموا حفلاً نجتمع فيه بأمرائنا الأخيار، فنؤدي واجب التكريم والتبجيل، ونعلن لهم عزم الشباب على الفناء في سبيل العروبة واتحاد القوى؛ ورأوا أن ما بأيديهم من المال قليل، فغضوا الطرف عن دعوة ذوي الرأي والجاه في إنجلترا، وكنت أرى نمد الدعوة إلى رجال الصحافة وكبار القوم، حتى يروا رأي العين جمعنا الباهر، واتحادنا المتين، وحتى تصل كلماتنا إلى قلوبهم لعلها تلين. وهبت زوبعة من الجدال والنقاش كادت تعوقنا عن بلوغ هذا الشرف الرفيع، لولا أن شد أزري صديق كريم وتعهدت وإياه أن نقوم بسداد ما يزيد من النفقات إذا لم تهز الأريحية أفئدة أمرائنا الغر الميامين ذوي السماحة والندى، فيهبوا للحمية من نفحاتهم ما يعز مقامها ويعلي منارتها.
وكان حفلاً لم تشهد لندن نظيره من قبل روعة وبهاء وعظمة ورواء بل كان حفلاً فريداً قل أن يجود التاريخ بمثله. وكيف لا. . . وقد شرفه أمراء العرب، وتلاقوا فيه لأول مرة