جميعاً ملبين نداء الشباب، ومنافحين عن فلسطين الشهيدة.
كبت به من خال أن اتفاق العرب محال، لشدة تنافرهم وتحاسدهم، وتباين أهوائهم ومطامعهم، بيد أن عزمات الشباب تذلل الصعاب وتحقق الرغاب.
وقرعت دعواتنا أسماع من طالما صدفوا عنها، وفتحت الصحف لنا أبوابها بعد أن أطنبت في وصف ذاك المشهد الفخم وهذه المظاهرة العربية الجليلة الوقورة.
وقد حقق أمراؤنا الأبطال آمالنا، فما إن سمعوا نداءنا حتى جاشت في قلوبهم حميا النخوة والكرامة، ففاهوا بكلمات تفصح عن نفوس عامرة، وأفئدة ملؤها النبل والإباء، وقالوا: إن بلاد فلسطين ومحنتها تقص منا المضاجع، وتحز القلوب حزاً، وإن خروجها من المعمعة سليمة مستقلة ظافرة لأمل نضعه نصب أعيننا وصلاة نرتلها صباح مساء، فثقوا بنا وبجهادنا والله يرعانا ويرعاها.
وغمرت عطاياهم جمعيتنا الفتية، فأصبحت في الجهاد أثبت قدماً، وأشد باساً، وأعلى صوتاً، حتى ضاق بها الصهيونيون ذرعاً، فما قام منهم خطيب ينفث في الناس سمومه وتخرصاته، إلا وجدنا أمامه نبطل كيدهم وندحض باطله.
وعدت ذات مساء إلى داري، فرأيت ربة الدار محزونة مكتئبة فسألتها: ما بالها؟ فقالت:
- جاء اليوم فتيان من أبناء صهيون، ينم حديثهما عن خبث طوية ولؤم حاد، وطلبا إلى أن أسدي لك النصيحة بالحسنى عن لسانهما، وأناشدك الله واهلك وغربتك إلا أقلعت وصحبك عن مناوأة جهادهم، وإن أبيت إلا اللجاج والعناد، فلهما معك يوم ما بعده ثم قالت: أني أخشى عليك هؤلاء القوم، إذ لا تؤمن لهم غائلة، ولا يتعففون عن دينة؛ وما كان لي أن أزج بنفسي في خاصة أمورك لولا انك نزيل داري؛ وأنا لهؤلاء الصهيونيين مبغضة وعليهم حانقة.
فقلت: شكرا لكي - سيدتي - هذا العطف الجم، والشعور الكريم، ولا عليك من هؤلاء فلن يضيرني منهم شيء، وسنرى.