- ليس قرناك يا مسكينة أطول من قرني أختك (رينود)، فقد صاولت الذئب بشجاعة طول الليل، ولكنه أفطر عليها في الصباح!
- يا للمسكينة! ولكن لا بأس. دعني بربك أجرب حظي مع الذئب يا سيد سيجان.
فلما رأى سيجان أن عنزته لا يقنعها المنطق ولا يعظها التاريخ، حبسها في حجرة بالحظيرة ثم أغلق عليها الباب، ولكنه نسي أن يغلق النافذة، ففرت منها إلى الجبل! ورأى الجبل في بلانكيت غير ما رأى في سائر الماعز من جمال اللون وحسن الشارة فلقيها لقاء جميلاً، وأمر أشجاره أن يظللن لها الطريق، وأزهاره أن يعطرن لها الجو. ووجدت العنزة نفسها مرسلة من كل قيد؛ فلا وتد ولا حبل ولا جدار، فأخذت تمرح في الخلاء الرحب، وتسرح في الكلأ الرطب، وتوازن في اشمئزاز بين ضيق الحظيرة وسعة المرج، وبين تفاهة العلف ومراءة العشب، فتحمد الله على ما رزقها من نعمة الحرية ومتعة العيش. فلما قضت حاجتها من الشبع والري، أخذت نثب في الهواء، وتركض على الأرض، وقفز فوق الصخور؛ ثم تبلل شعرها بماء الغدير، وترقد لتجففه بحر الشمس، ثم تنهض فتصعد في شعاف الجبل حتى تقف على قمته، فيخيل إليها من فرط العلف وسحر الغرور أنها حورية مرجه وملكة واديه! وبينما هي ترسل النظر الساخر من زروة الجبل إلى حظيرة سيجان أبصرت قطيعاً من الوعول ينال من شجر الكرم فتحلب ريقها شرهاً إليه، وما هي إلا وثبات حتى نزلت على القطيع تفسح لها المجال بأدب، وقرب إليها المنال في لطف. ثم وقع بقلبها بعض الوعول فاختلت به ساعة أو ساعتين في ظلال الغاب. وجملة القول أنها قضت يوماً من أيام الجنة لم تقضه قبلها عنز من عناز سيجان، ولا نعجة من نعاج داود.
ولكن الهواء برد والمساء أقبل، فخشعت الأصوات، وسكنت الحركات، وانبعث من جانب الحظيرة بوق السيد ىسيجان يدعو الآبقة إلى الرجوع. حينئذ تذكرت الذئب وقد أنساها إياه قصف النهار ولهوه، فاعتراها شيء من الحيرة والتردد؛ ولكنها تذكرت كذلك الوتد والحبل، فمطت شفتيها وأصمت أذنيها وقررت البقاء. وانكفأت بلانكيت تبحث عن مرقد وثير في