للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

خطبة على لسان تلك الفتاة؟

يكفي أن يشير إلى أن تلك الأسرة ظهرت فيها ظاهرة من جنون، وهي تطوُّع الأخ الأصغر للخدمة العسكرية قبل أن يبلغ سن الحرب، فقد كان يقول:

(صُرع أحد أخويَّ وجُرِح الآخر، وما ينبغي أن تخلو ميادين الحرب من أحدنا). وهي عبارة في غاية من القوة، وقد ساقها المؤلف في بساطة توهم أنه لا يعني ما تنطوي عليه من مقاصد وأغراض.

وهنالك نظرية أخلاقية تعرض لها المؤلف في عدة مواقف، وهي النظرية الخاصة بمواجهة الحياة، ومن رأى المؤلف أنه لابدَّ للأحياء من أن يعيشوا، وأن اجترار الأحزان مرض يجب دفعه بلا إمهال

ولا يفوت المؤلف أن ينص على ما يقع من المضارّة بين الأخ والأخت، ولا يفوته أن يجسِّم النفاق الذي يقع في البيوت عند تبادل الاستغفال بين الجيل القديم والجيل الجديد

وأقول مرة ثانية إني أريد تنبيه القراء إلى قيمة هذا الكتاب لأنه كُتِب بطريقة يغلب عليها الرمز والإيماء، وإن كان غاية في الصراحة والوضوح، عند من يساير المؤلف في أشواطه الطوال

وهل فيمن قرءوا هذا الكتاب من تنبَّه إلى نظرية دقيقة ساقها المؤلف في أسطر معدودات بالصفحة الثامنة والستين؟

في تلك الأسطر يشير المؤلف إلى أن الحيوان المتوحش يحتلّ صدر الإنسان المتحضر، ولم يفته إلا النص على أن الحضارة سلاح جديد يزيد التوحش ضراوة إلى ضراوة واستذآباً إلى استذآب

وهنالك صفحة عجيبة غريبة تذكِّر بأدب أبي حيّان التوحيدي في تشريح العواطف، وهي الصفحة الخاصة بالشوائب التي تفسد الوداد، ومن تلك الصفحة تعرف كيف جاز أن يتعرض الدكتور طه لتقلبات في المودَّات والصداقات يستفظعها منْ لا يعرف ما فُطِر عليه من توهج الإحساس

تلك الصفحة تفسر ما يقع فيه الدكتور طه من وقت إلى وقت، فهو يقطع ما بينه وبين أصدقاء لا يجود بأمثالهم الزمان، وهو قد يصل أقواماً لا يمتُّون إلى روحه بسبب قريب أو

<<  <  ج:
ص:  >  >>