للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الثاني (القرن السادس عشر) بذلت أسبانيا - وهي يومئذ في إبان قوتها وعظمتها - عدة محاولات لافتتاح الجزائر وثغور المغرب، ولكنها لم تستطع أن تظفر في تلك الوهاد الوعرة بفتوح مستقرة؛ واستطاعت تلك الأمم المغربية أن تحافظ على استقلالها في ظل طائفة من الحكام المغامرين الذين يرجعون إلى أصل تركي حتى فاتحة القرن التاسع عشر. وكانت أسبانيا قد انحدرت في ذلك الحين إلى عداد الدول الثانوية، وأخذت دولة أوربية أخرى هي فرنسا تتطلع إلى افتتاح تلك الأمم واستعمارها؛ وكانت حمى افتتاح إفريقية قد أخذت تسري إلى الدول الأوربية، على أثر الاكتشافات الجغرافية العديدة التي كشفت عن غنى تلك المجاهل بالثروات الطبيعية المدهشة؛ وخشيت فرنسا أن تسبقها أمة أوربية أخرى إلى غزو أمم المغرب التي تواجهها في الضفة الأخرى من البحر ولا تبعد عن ثغورها الجنوبية سوى يومين؛ ولم يكن يعوز الاستعمار أو تعجزه حجج التدخل والعدوان. ففي سنة ١٨٣٠، في عصر الملك شارل العاشر، جهزت فرنسا أسطولا ضخما، وحملة قوية إلى ثغر الجزائر؛ واستولى الفرنسيون على الثغر الحصين بعد قتال رائع، وانسحب الحاكم التركي (الداي) بأمواله وأسرته؛ واتخذ الفرنسيون من الجزائر قاعدة لغزو المغرب الأوسط كله؛ وكانت بتوسطها ومناعتها أصلح القواعد؛ ولكن فرنسا لقيت خصما صلباً عنيدا في عبد القادر زعيم الجزائر وبطلها الأشهر؛ وقد استطاع هذا الوطني الكبير والجندي الباسل أن ينظم الدفاع عن وطنه زهاء خمسة عشر عاما هزم خلالها عدة حملات فرنسية قوية، وكبد فرنسا خسائر فادحة في الرجال والمال؛ ولكن السياسة الاستعمارية لم ترتد أمام هذا النضال الوطني الرائع، ولم تحجم في سبيل غايتها أية تضحية؛ فما زالت فرنسا تبعث الحملات المختلفة، وتستولي تباعا على قواعد الجزائر، وتخوض مع عبد القادر معارك مضطرمة مستمرة، حتى أتمت فتح الجزائر؛ وأسر عبد القادر بعد خطوب وأحداث جمة (سنة ١٨٤٧)، وارتد الزعيم الباسل بعد أعوام من الأسر بأسرته إلى دمشق ليقضي بقية أيامه فيها

وهكذا كانت الجزائر أول قطر أفريقي سقط في يد الاستعمار الأوربي، وكان سقوطها فاتحة تلك الحركة الاستعمارية الهائلة التي تعرف (بافتتاح إفريقية) والتي اشتركت فيها معظم الدول الأوربية الكبرى، طورا متحدة وطورا منفردة، واستمرت طوال القرن التاسع عشر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>