للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان ذلك إلا لأن أسلافنا لم يبتلوا بذلك الداء الدوي، وهو فرط الحذر، ولم يخشوا في النقل عمن سبقهم من الأمم لومة لائم، بل أقبلوا عليه إقبالا لعلهم كانوا فيه إلى العجلة والاندفاع أقرب منهم إلى التؤدة والأناة، فما أضر بهم ولا بلغتهم قليل الاندفاع. ولو أنهم أسرفوا في الحذر - لما خلد لهم في التاريخ ذكر ولا بقى لهم في العلم أثر.

ثم دارت الأيام بهذا المجد العربي المؤثل، فدالت دولته، وطال باللغة تخلفها عن قافلة الزمان، حتى كان مبزغ النهضة المصرية الحديثة، التي تصدرها المجدد العظيم محمد علي، فأخذت اللغة تصحو من سباتها الطويل. وكان من بواكير هذا الصحو أن تعاون القائمون بالتعليم الطبي حينذاك على نقل المصطلحات الطبية إلى اللغة العربية، أثمر هذا التعاون معجم التونسي المسمى (الشذور الذهبية في المصطلحات الطبية) - ذلك المعجم الذي ألقت به عصا التيسار إلى متحف باريس، ثم نقلت عنه صورتان شمسيتان إلى دار الكتب المصرية. وهذا المعجم يشتمل على مفردات عربية مشروحة لا تقابلها مرادفاتها الأجنبية، ويقع في اثني عشر جزءا، لم يقدر لها أن تنشر، فيما عدا مائة صفحة منها عنى المرحوم الدكتور أحمد عيسى بك بنشر مفرداتها مترجمة إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية. ومن أسف أن هذا الجهد الذي كان خليقا بالنفع لم يمض إلى غايته. وحبذا لو عنى مجمعنا الموقر بتزويد مكتبته بكثرة ما حوى من مفردات صالحة للاقتباس الطبي، مستخرجة من معاجم عدة.

على أن هذه النهضة العربية في القرن الماضي، ما لبثت أن منيت بمثل ما منيت به النهضة السياسية من عثار لم يكن منه مقيل حتى مطلع العشرين، حين قيض الله سبحانه وتعالى المصطلحات الطبية العربية طبيبا كبيرا هو المرحوم الدكتور محمد شرف بك، ملك عليه حب العربية مشاعره، فبذل لها من فكره وجهده، ومن ماله ووقته، ما تنوء به العصبة أولو القوة؛ غير مشفق من أن، يحمل وحده أمانة تؤود رهطا من الإثبات إذ أخرج للناس معجمه الضخم الذي ينتظم سبعين ألفا من المصطلحات، لا في الطب بمختلف فروعه وحسب، بل في كل ما يمت له بصلة من سائر العلوم. وبحسب هذا المعجم أن يكون الأول من نوعه في العربية، وأن يقوم شاهدا على ما تستطيعه الهمة الشماء إذا ما تجشمت جلائل الأمور.

<<  <  ج:
ص:  >  >>