ثم أذن الله للغة العربية أن تسترد مجدها التليد بإنشاء هذا المجمع الموقر الذي يضم صفوة من أئمة اللغة وفقهائها، وجهابذة ٣٨٠٤ علمائها، الخبراء بمختلف حاجاتها، البصراء بما يجدد شبابها ويعيدها سيرتها الأولى قوية فتية موفورة. فحقق بما استن من قواعد، وبما وثق من ألفاظ، بشرى أهل العربية به، على أتم وجه وأوفاه - لولا ما إعتاقه من قصور وسائله في إعلان عمله للناس، وافتقاره لطائفة من أمهات المراجع، واحتياجه لمزيد من العاملين في مختلف اللجان - ولولا شئ آخر، أرى واجبا على وقد شرفني المجمع بعضويته، أن أهمس إليه به، وهو حيرته التي طالت سبعة عشر عاما، بين إشفاق على القديم، ووجل من الجديد فما عدة النهضات إلا الإقدام.
ولئن شئنا أن نشفق فلنشفق من الجمود والاندفاع على السواء. أو فلنشفق من الجمود أكثر مما نشفق من الاندفاع، ولنتوسط بينهما السداد ما استطعنا إليه سبيلا. فلقد جاء في الأثر الشريف (خير هذه الأمة النمط الأوسط: يلحق بهم التالي ويرجع إليهم الغالي)، وإنا لهذا النمط الأوسط لمتبعون. ولنضرب لذلك الأمثال:
من قواعد صوغ المصطلحات العلمية عامة، والطبية خاصة، أن يحبس المصطلح على معنى بذاته منعا من التباسه بأي معنى سواه. ولذا لجأت اللغات الأجنبية إلى اللغات القديمة كاليونانية واللاتينية فاستمدت منها أكثر مصطلحات العلوم متوسلة إلى ذلك بأية مناسبة، وإن كانت واهية، من مناسبات المعنى المراد
فالمرض الجلدي المعروف بالإكزيما مثلا - من علامات دور من أدواره ظهور نفطات أو حويصلات مليئة بما يشبه الماء على ظهر الجلد. فمن المشابهة البعيدة بين هذه النفطات وما يظهر من فقاعات على سطح الماء عند غليانه: استمدت لتسمية المرض كلمة (إكزيما) وهي كلمة لاتينية تفيد معنى الغليان، وحبست على المرض فأصبحت علما عليه لا تنصرف إلى شئ سواه.
فما عسى أن نترجم به هذا المصطلح إلى العربية؟ إن أول ما ينبغي أن نتوخاه هو أن يكون لفظنا مفردا كنظيره الأجنبي. ذلك لأن من ضرورات استعماله أن نسوقه في صيغة صفة أو مصدر أو إضافة أو نسبة - في نحو قولنا: جلد متأكزم، أو اكزيما الوجه، أو تغيرات الأكزيمية.