فها نحن أولاء قد استخدمنا المصطلح الأجنبي على جهة التعريب فأوفى بالغاية. أفنوثق هذا التعريب من فورنا غير متحرجين، أم نتمهل لعلنا نظفر بغيتنا من سبيل الاشتقاق؟ لقد سبق أن ترجم هذا المصطلح اشتقاقا (بالغليان) على المقابلة بأصل المعنى اللاتيني. فهل تفي هذه الكلمة بالمراد؟ أإذا قلنا (الغليان) أمكن أن ينصرف المعنى في ذهن السامع إلى ذلك المرض الجلدي؟ فإن قلنا (داء الغليان) - ففضلا عن أننا تجاوزنا عن مقابلة اللفظ المفرد بمفرد مثله مما هو مستحب - فقد أوجبنا التساؤل: أداء اجتماعي هو أم فردي؟ أو نفساني هو أم جثماني؟ وأي الأعضاء يصيب؟ فان قلنا (غليان الجلد) فقد أوقعنا القول في الذهن موقع حيرة وغرابة: إذ كيف يغلي الجلد؟ وأي جلد ذاك الذي يغلي؟
وإنما الذي أوجب كل هذه الحيرة: هو أننا استخدمنا لفظا شائعا لمعنى علمي، فلا نحن تركناه لمعناه الشائع، ولا نحن استطعنا أن نحبسه على المعنى العلمي المراد بعد أن انتزعناه من استعماله العام. ومن ثم فقد سلبنا اللغة لفظا من رصيدها المتداول دون أن ننتفع به فتيلا. وهذا ما تفاداه الاصطلاح الأجنبي باستمداد الكلمة من لغة دارسة، مما لا سبيل لنا إليه إلا أن نستمد من لفظ عربي مهجور.
فإذا لم نوفق إلى مقابل لكلمة (إكزيما) عن طريق الاشتقاق على النحو الذي أوضحناه، فلم لا نلبي من فورنا حاجة الاستعمال العاجلة باللجوء إلى التعريب، بأن نعهد في غير تردد بكلمة (الاكزيما) لذوى الملكات المطبوعة من رجال اللغة، ليوثقوها كما هي أو ليلصقوها بما يتسق مع الذوق العربي، كأن يقولوا (الأقزيم) أو (الأكزيم) حسبما يرون، في غير إغراب أو ابتعاد بالنطق عن اللفظ الأجنبي.
وهبنا بعد إذ وثقنا الكلمة بالتعريب، جاءنا من يقول إنه وجد في مادة (كزم) كلمة (التكزيم) بمعنى التفقيع، وفي مادة (قفع) كلمة (القفعاء) بمعنى الأذن التي كأنها أصابتها نار فتزورت من أعلاها إلى أسفلها، ثم كلمة (القفاعي) بمعنى الأحمر ينقشر أنفه لشدة حمرته، وأحمر قفاعي لغية في فقاعي مقدمة إلغاء، وهو قفاع لماله: لا ينفقه.
وذكر القائل بعد ذلك أنه زعيم بأن الفقاعة إنما سميت لذلك لأنها تحتجن ماءها كما يختجن القفاع ماله فلا ينفقه، وأن ما تشبه الفقاعات في الإكزيما إن هو إلا دور من أدوارها يسبقه دور احمرار لك أن تصف حمرته بالأحمر القفاعي، وأن الانقشار دور من أدوار الإكزيما