للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذلك، وأن الأذن التي أصابتها نار فنزوت من أعلاه إلى أسفلها لتوحي بالأذن التي أصابتها الاكزيما بالتهاب كلذعة النار وتورم تتزوى منه أن تعوج. وخلص القائل من تفسيره هذا الذي أدهشنا أشد الدهش إلى أن من حق لغتنا علينا ألا نستعير لها الألفاظ، وإنها لتحويها.

فهل من ضير يضيرنا إذا نحن عدنا إلى الاشتقاق بعد التعريب؟ ولماذا لا نترخص في الاشتقاق من مناداة (كزم) هذه، فنقول (كزيمة) مثلا لاسم المرض، و (نكزم) للفعل، (ومكزما) للصفة، و (تكزيما) للمصدر. ولما لا يحق لنا أن نكمل تصريفها قياسا على مادة تشبهها، لغير قيود لا موجب لها في لفظ مهجور رآه مدونو المعاجم أنفسهم غير جدير باستيفاء التعريب.

وأيهما أحفظ لتراث اللغة: أن ندخل عليها لفظا أعجميا مهما صقلناه بدا في لغتنا كالرقعة المختلفة عن نسيج الثوب - أم أن نرقع ثوبنا من نسيجه نفسه فتتسق رقعتنا مع الثوب؟

وما بالنا إذ ما تأبت علينا قواعد الاشتقاق لا تقبل الكلمة المقترحة على أي جهة من جهات القبول؟ بل ما بالنا إذا ما اختلفنا في المفاضلة بين اكزيما وكزيمة، لا نوثق الكلمتين معا، تاركين للذوق العام أن يستقر على تخير إحداهما بمقتضى مزاياها في الاستعمال. وها هنا تتضح أمامنا معالم الطريق، فإن أول ما يجب أن نتجه إليه في صوغ المصطلح العلمي، هو البحث عما إذا كان لمعناه في لغتنا لفظ يقابله ويؤدي معناه في غير لبس وثقل؛ فإن وجدناك فذاك، وإلا بحثنا في مهجور الألفاظ عن لفظ يمت معناه للمعنى المراد بصلة دالة مميزة، فإن استيسرت لنا بضعة ألفاظ تمت للمعنى بمختلف الصلات، كان أولاها بالاختيار أقربها معنى وأنسبها لفظا للمصطلح الأجنبي. وليس حتما أن يكون اللفظ خفيفا وجيزا إن كان مقابله الأجنبي ثقيلا طويلا. على أنه من التوفيق أن يخفف اللفظ ويقصر، ومن غاية التوفيق أن تكون بينه وبين مقابلة مناسبة شبه في نطق، أو وزن، أو مخرج، أو حرف غالب، مما يزيده موائمة للأصل، وسهولة في الحفظ وطلاوة في الاستعمال - ومن ثم جدارة بالتداول.

والآن فلندع مثلنا الأول - هو الاكزيما - بعد إذ أفضنا فيه توضيحا لبداية الطريق، ولنضرب مزيدا من الأمثال الموجزة للاشتقاق، فالتعريب، فالنحت - توضيحا لسائر الطريق.

<<  <  ج:
ص:  >  >>