للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكلمة (الأوذيما) التي عربها الرئيس ابن سينا لمقابلة الكلمة الأجنبية التي تنطق (إديما) - والتي تعني ارتشاح الماء تحت الجلد لم لم يعربها (إديما) كما هي بدلا من (أوذيما) التي لا تطابق في نطقها الذوق العربي؟.

وما الذي يفيدنا بتعريب الأولين إن لم نجد ما يوجبه؟ بل لماذا لا نشقق لهذا المعنى كلمة مثل (دئيمة) من مادة (دأم) - وقد تضمنت: تدأم الماء الشيء: غمره، بل لماذا لا نقلب هذه الكلمة فنقول (إديمة) والقلب جائر في الاشتقاق؟ لعل ابن سينا نفسه، لولا تعجله بالتعريب، ملاحقة بالعلم، لوجد في مثلنا هذا مندوحة عن التعريب والاشتقاق.

ومما يؤخذ على بعض الأقدمين في تعريبهم - ولعلهم بالأغراب الشديد فيما عربوا دون ما حكمة فيه. فكلمة وهو نبات يشبه نبات اليمضيد، التي يمكن أن تعرب بكلمة (طرقساق) قد عربها الأقدمون - ومن بينهم ابن سينا وابن البيطار وداود الأنطاكي والطبري - بما ينيف على الثلاثين تعريبا، تشترك جميعا بل تتبارى في الثقل والأغراب على تفاوت ذلك ما بين (طرخشقون) و (تلخشكوك) و (تلحسكوك) و (طليخم) و (تلخ)!

ولقد أسرف قدماؤنا في التعريب حتى كادوا يهملون ما هو أحفظ منه للغة وأدل منه على محاسنها وهو الاشتقاق، فعربوا - مغربين في التعريب - حيث كان يسهل بل يجزل الاشتقاق. فعلم الحساب مثلا عربوه: (أرثماطيقا)، والتحليل: (أنا لو طيقا) وما وراء الطبيعة: (ميتا فيزيقا).

ولعل مرد إسرافهم هذا في التعريب إلى ثلاث أمور: أولها جهلهم بما لأصول المصطلحات من المعاني في قديم اللغات التي ما كانوا ليعنوا بدراستها. وثانيها مراعاتهم مقتضى الدقة العلمية بحبس المصطلح العلمي على معناه الخصيص لكي يحتفظوا بالصلة العلمية بين لغتهم وسائر اللغات. وثالثها إيثارهم سهولة التعريب وسرعته على صعوبة الاشتقاق وبطئه، تلفها منهم على ملاحقة عصرهم فيما نقلوه إلى لغتهم من مختلف العلوم.

ووجه العجب في الأمر أن يكون هذا منزع قدمائنا إلى التجديد، بينما نقف نحن حيارى نتردد ما بين المحافظة والتجديد فيلاحقوا عصرهم البطيء واثبين، ونخلد نحن في عصرنا الوثاب إلى الهوينى!

فلقد ترجمنا الفزيولوجيا مثلا بالوظائف، وسمينا المشتغل بها (الوظائفي). فأية وظائف هي؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>