للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلا ظلام القبر وقيد الفناء وأنت فوق هذا وذاك مكتسب من فشلك الآني منعة ضد مكروب اليأس الذي يقتل النفوس ويعصف بالرجولة.

وأخيراً - الإيمان - ماذا تقول فيه؟

نقول موجزين: إنه صفة العظماء الغالبة، ومزيتهم التي يمتازون بها عن الأوساط، ومن هم دون الأوساط. فيوليوس قيصر كان كبير الإيمان حينما قطع نهر الروبيكون واستولى على رومة بشراذم جنوده. وقد كان ضعيف الإيمان في الوصول إلى تاج الملك فذبح. وكولمب كان عظيم الإيمان، لذلك لم يفتّ في عضده كل ما قام في سبيله من صعاب، ولم يثنه أن يجد نصف العالم الذي كان مفقودا. ونابليون كان له نجم يراه في النهار ويسير بهديه. والمسيح كان كبير الإيمان، فكان يشفي المفلوجين ويقيم المقعدين. والنبي العربي كان وطيد الإيمان، فعمل لقومه في حقبة قصيرة من الزمن ما يُعجز أجيالاً ويفني آجالا.

ومن صفاته أن المؤمن يكون سريع العودة إلى ما اختطه لنفسه من طريق، ورسمه لها من مسير، بعد أن تحرفه عن ذلك رجات الحياة العنيفة وحوادثها الزاخرة. شأنه شأن الإبرة المغنطيسية - مهما بالغت الحياة في هزه، لا يلبث أن يعود سيرته الأولى ويتجه اتجاهه الأول. ذلك أن ثمة قوة حية مشبوبة فيه تتجاذب وقطب الحياة العام، قطب التقدم وارقي الذي تسير نحوه جميع الأحياء عامدة، لا تلفّ ولا تدور إلا مرغمة.

ومن صفات الإيمان أيضاً أنه لا يحتقر الأحلام، لأنها عنده أساس الحقائق وعدة الحياة. لهذا فهو رفيق جد الرفق بالصغار وما يحلمون، مؤمن جد الإيمان بما يكمن فيهم من قوى غير محدودة، واستعداد غير مُستغلّ، واندفاع غير مكبوت، ونقاء غير مرنق. وهو يقيم الدليل بعد الدليل على صدق متجهة بما أثبت التاريخ والحوادث من أن أحلام الطفولة وعبث الصبى كانت في غالبية العظماء حقائق الرجولة وعدتها إلى الحياة.

شرق الأردن

أديب عباسي

<<  <  ج:
ص:  >  >>