من الكلمة التي نشرتها (الرسالة) لحضرة الأستاذ عبد الحميد عنتر فهمت أنه يقصر المحصول اللغوي على المأثور عن (العرب العرباء) وهي الأمة التي شهدت العصر الجاهلي وصدر العصر الإسلامي، وفي هذا القول رجعة إلى أقوال كانت ترى أن اللغة ختمت بالأقفال بعد هذين العصرين، وهو قول كان يجد من يطمئن إليه قبل أن تتفتح العقول إلى النظر الصادق في العصر الحديث
وأقول أن مصادر الثروة اللغوية عندنا هي ما نطق به العرب في جميع العصور وفي جميع البلاد، ولو كان فيه دخيل، وأقول أيضاً إن وجود الألفاظ الدخيلة في أي لغة يشهد لها بالحيوية، لأنه يدل على أنها أخذت وأعطت، واللغة التي تسلم سلامة تامة من الألفاظ الدخيلة لا توجد إلا في قبائل المحصورة بين جدران الجهل والركود
وعندي أنه يمكن الحكم بأن شعراء الجاهلية لم يكونوا يملكون من الثروة اللغوية مثل الذي نملك، لأنهم عاشوا في آفاق محدودة، ولأن التفوق اللغوي لم يكن من المقاصد التي يشغل بها الناس في القديم على نحو ما يشغلون في هذا الزمان
فكلمة (العرب العرباء) كلمة طنانة، ولكنها لا تنفع بشيء، فمجد العرب الحق، المجد الذي بجله التاريخ، وهو مجدهم بعد الفتوحات الإسلامية، وبعد أخذهم ما استطابوا من مواريث الشعوب
وهنا حقيقة لم تأخذ قسطها من الالتفات، وهي فضل الدخيل في إمداد اللغة العربية بالثروة لعهد الجاهلية. وبيان ذلك أن جاهلية العرب الملحوظة هي جاهلية قريش، وقريش لم تعرف حياة العزلة بسبب (البيت)، فقد جمع حولها الناس، وعرفها ما لم تكن تعرف من طرائق المعاش، وطرائف الخيال
كان للعرب في الجاهلية ما يزيد عن سبع لغات، وكان من الصعب أن يتفاهم أهل الشمال مع أهل الجنوب، فكيف ضعضعت تلك اللغات وبقيت لغة قريش؟ يرجع الفضل إلى (البيت) أولاً والى الإسلام ثانياً، ولكن كيف اتفق ذلك ولم تكن مهمة البيت مهمة لغوية ولا كانت رسالة الإسلام رسالة لغوية؟ يرجع السبب إلى أن الضجيج الاجتماعي والجدال