ورأى الأسد رجلاً هو خوف الله، فخاف منه، وكما خرج الشيخ من ذاته ومعانيه الناقصة خرج الوحش من ذاته ومعانيها الوحشية، فليس في الرجل خوف ولا هم ولا جزع ولا تعلق برغبة، ومن ذلك ليس في الأسد فتك ولا ضراوة ولا جوع ولا تعلق برغبة.
ونسي الشيخ نفسه فكأنما رأى الأسد ميتاً ولم يجد فيه (أنا) التي يأكلها، ولو أن خطرة من هم الدنيا خطرت على قلبه في تلك الساعة أو اختلجت في نفسه خالجة من الشك، لفاحت رائحة لحمه في خياشيم الأسد فتمزق في أنيابه ومخالبه
قال: وانصرفنا عن النظر في السبع إلى النظر في وجه الشيخ فإذا هو ساهم مفكر، ثم رفعوه وجعل كل منا يظن ظناً في تفكيره، فمن قائل أنه الخوف أذهله عن نفسه وقائل أنه الانصراف يعقله إلى الموت، وثالث يقول أنه سكون الفكرة لمنع الحركة عن الجسم فلا يضطرب، وزعم جماعة أن هذه حالة من الاستغراق يسحر به الأسد. وأكثرنا في ذلك وتجارينا فيه حتى سأله ابن طولون: ما الذي كان في قلبك وفيم كنت تفكر؟
فقال الشيخ: لم يكن علي بأس، وإنما كنت أفكر في لعاب الأسد أهو طاهر أم نجس. . . . . .