(واعلم أن أول حالة ظهر فيها علم الكلام وشاع بين الناس في هذه الشريعة هو أن جماعة ظهر منهم القول بإضافة معاصي العباد إلى الله سبحانه، وكان الحسن ابن أبي الحسين البصري ممن نفى ذلك ووافقه في زمانه خلق كثير من العلماء كلهم ينكرون أن تكون معاصي العباد من الله، منهم محمد الجهني وأبو الأسود الدؤلي ومطرف ابن عبد الله ووهب ابن منبه وقتادة وعمر ابن دينار ومكحول الشامي وغيلان وجماعة كثيرة لا تحصى؛ ولم يك ما وقع من الخلاف يومئذٍ يتجاوز باب إضافة معاصي العباد إلى الله سبحانه ونفيها عنه وغيره من هذا الباب)
فأنت ترى أن الشريف بدأ مقدمته ببحث نفسي علمي عن الحالة التي ظهر فيها علم الكلام وهو وإن لم يصور في المقدمة تلك الحالة بوضوح وجلاء إلا أن تحليلها العلمي يكشف لنا عنها، فقد درج فيها مثلاً جماعة من أكابر التابعين ممن تصدوا لنفي ذلك القول؛ ومن تصدي مثل هؤلاء العلماء تتجلى لنا أهمية هذا القول وقيمة القائلين به ومبلغ تأثيرهم وتأثيره في أفكار الناس، كما أن وجود أبي الأسود الدؤلي المتوفى سنة ٦٩هـ بين هؤلاء الجماعة النافين، وهو المعروف بعلمه ومكانته، يدل دلالة صريحة على أن البدء في هذا القول لا يعدو هذا التاريخ، أي لا يعدو سنة ٦٩ كما يدل على وجود رأي خاص بعلماء النفي. فنحن الآن نبحث نقطتين إحداهما العوامل التي كونت ذلك القول، وثانيتهما علماء النفي ورأيهم وكيفية تكون هذا الرأي.
(١) عوامل نسبة المعاصي إلى الله.
أما الحالة والعوامل النفسية التي دفعت إلى هذا القول فيمكن استنتاج رأي الشريف فيها من موضوع البحث نفسه. بحث المعاصي، فإنه من الواضح أن العرف والعادة يقضيان باستحالة ظهور هذا البحث فجأة وبدون أسباب، في حين أن الذي كان عليه المسلمون ونشئوا عليه هو الطاعة طاعة الله ورسوله التي تجلت أسبابها في عهد النبي والصحابة. فهل يمكن تغيير اتجاه الأمة فجأة، من هذا التوغل في الطاعة إلى البحث في المعاصي دون أن تجد عوامل اجتماعية وروحية مما تدفع إلى هذا التغير.
والسيد المرتضى لم يساعده الإيجاز في مقدمته على بيان عوامل البحث في المعاصي،