بغير تلك المقدمة، وليته ترك الأزهريين يستعملون حريتهم كما يشاءون في السؤال والمناقشة ولو بلماذا ولمه.
بيد أن هذا كله لا يغض - فيما أرى - من قيمة مقالته فلن آخذه عليه؛ وإنما أشير - وما أملك إلا أن أشير - إلى أنه ما كان له وهو الذي بذل في إصلاح الزهر ما بذل من وقت وجهد أن يحكم ذلك الحكم الذي يقطع كل أمل، ويخيب كل رجاء، ويخنق كل صوت، ويثبط كل همة، حين قال:(إن بين الأزهر وبين الإصلاح شأواً بعيداً وبوناً شاسعاً ومرحلة طويلة جداً، وإني لست أدري هل إلى هذا الإصلاح سبيل).
والأعجب من هذا كله أن الأستاذ كرر هذه العبارة في مفتتح موضعه ومنتهاه، وأنه تساءل في المرة الثانية: أهو متشائم في حكمه؟.
وإني لأسأل الأستاذ: إن لم يكن هذا تشاؤماً فكيف يكون التشاؤم؟.
ألا يسمى تشاؤماً قسمه بالله العظيم واستعماله عبارات التأبيد والتأكيد مثل قول الأزهر اليائس: والله لن يصلح الأزهر أبداً مهما حاول المخلصون، وجد العاملون؟.
لو قال أحد هذه الكلمة لاتهمناه بأنه لا يريد أن يواجه الحياة، ولا أن يصادم الواقع، لأنه يعلم من نفسه العجز عن تذليل العقاب واقتحام الأخطار واحتمال المتاعب، فهو يعترف بضعف سلاحه وقلة استعداده، فليتنح للآخرين فلعلهم أقوى منه بداً، وأصلب عوداً، وأثبت جناناً.
ولكن الذي قال الكلمة الأولى رجل مصلح يحفظ له الأزهر خدمات أمينة، ولا ينكر له فضلاً، ولا ينسى له ذكراً، فلماذا يجني هذا الأستاذ الكريم على حماسة الشباب؟ ولماذا يقطع عليهم سبيل الرجاء؟ وليغفر لي كلمة (لماذا) فما يستطيع أحد أن يحذفها من كلامه في مثل هذا المقام.
ألا يرى الأستاذ أن أبسط ما يفهم من مقالته أن أحدنا لو أفنى عمره في إصلاح الأزهر لن يصل إلى غايته أبداً، لأن الطريق محفوفة بالأشواك، والعقبات قائمة هنا وهناك؟.
وماذا يصنع الأزهري الشاب الذي لا يرضى عن حال كلياته ومعاهده بعد أن سمع هذا الكلمة الغضبى من رجل أمضى عشرين سنة يفكر بالإصلاح؟.
أفنعتب عليه إذا حطم قلمه إن كان أديباً، أو كم فمه إن كان خطيباً، أو أسكت عبقريته إن