للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والاقتصاد والسلم والحرب؛ فالموجب أذن لأن يقف الخاصة من المثقفين العرب في الآونة الحاضرة موقفاً سلبياً - واعين أو غير واعين - ويتعلقون بأذيال لندن أو نيويورك أو موسكو أو باريس دون ترو أو تحميص، ويسلكون سلوك الثقافات الصغيرة التافهة التي تمتص من ينبوع الفكر ولا تصب فيه؟

والقول بأن الفترة الحالة من تاريخ الثقافة العربية فترة هضم واستيعاب لا يبرر هذا الانسياق نحو التقليد والمحاكاة والاستعارة الضالة. ومثل هذا القول فيه الكثير من التضليل.

فالغذاء الفكري الذي يعيش عليه الناطقون بالضاد في الآونة الحاضرة هو في كثرته الساحقة غذاء يبلع ولا يهضم ويقلد ولا يستوعب وينقل ولا ينتج.

فعصر النهضة والأحياء عصر خطير. والخوف عليه من التقليد والنقل الأعمى اكثر من الخوف على ثقافة اكتمل أحياؤها واشتد ساعدها كالثقافة الفرنسية المعاصرة مثلاً. فإذا أخاف أهل القمر في فرنسا من تيارات هوليود فحري بأقرانهم في العالم العربي أن يهلعوا وأن يعلنوا الثورة ويحملوا أقوى أسلحة الدفاع.

ولو فرضنا - كما افترض جون بول سارتر - أن شعباً أوربيا صغيراً اضطر بحكم الظروف السياسة والاقتصادية لأن يستعير من الأيدلوجية الأمريكية أو السوفيتية شيئاً، فهذا الشيء المستعار لن يتبدل جوهره بعد الاستعارة إلا بعملية هضم ضحية سليمة، وذلك لأن أصوله مستمدة من طبيعة الاقتصاد والوضع الاجتماعي والسياسي في أمريكا أو روسيا. والمستعير حين يكون سطحي الثقافة لن يستطيع أن يبدل طبيعة هذا الوضع فيبقى الشيء المستعار في جوهره أمريكا أو روسيا يفرض على ثقافة صغيرة لا قبل لها بتحويله أو طبخه من جديد؛ وذلك لأسباب تتعلق بطبيعة الضعف السياسي والحاجة الاقتصادية والفقر الثقافي في ذلك الشعب الصغير، وبطبيعة الحول الذي يسند هذه الأشياء المستعارة.

فإذا لم تقم خاصة المثقفين من أبناء ذلك الشعب الضعيف بالتدقيق في جوهر الشيء المستعار على ضوء الثقافة القومية ومصلحتها وتعديله أو رفضه، وإنما تركوه للمتطفلين على الأدب والفن والحياة الروحانية يفرضونه على تلك الثقافة القومية فإن مصير هذه الثقافة الانشقاق أولا، والانزواء والاستقرار في الحضيض بعد ذلك.

فستكثر الأشياء المستعارة وترسخ في الحياة الفكرية والنشاط الإنساني لذلك الشعب

<<  <  ج:
ص:  >  >>