الضعيف فتنافس عناصر الثقافة القومية منافسة شديدة عنيفة فإذا لم تجد هذه الثقافة القومية منافسة شديدة عنيفة فإذا لم تجد هذه الثقافة من يحمل لواء الدفاع عنها فإنها لا مراء ستصاب - في المراحل النهائية - بالتفكك والانحلال، وسيفقد ذلك الشعب طابعه الأصيل ويصبح كالسيارة الأمريكية تسير في شوارع دمشق والقاهرة - ويسوقها عرب بوقود عربي، ولكنها مع ذلك لا تمت إلى صميم الثقافة العربية بصلة وثيقة، فإذا رآها المستطلع الأجنبي لم ير فيها سائقها العربي - ووقودها العربي و (رخصتها) العربية وإنما أصر على أن يرى فيها الحضارة الأمريكية ممثلة أبلغ تمثيل.
وانقسام الثقافة القومية على نفسها شر من المستطاع تفاديه إذا تصدى نواب الثقافة لبواعثه وعالجوا جرثومة الشر؛ فالافتراض من الثقافات الأخرى دون قيد أو شرط ودون مراقبة ومحاسبة سيولد في المجال الثقافي والاجتماعي مثل الحالة التي وجدت مصر نفسها فيها حين أوسع الخديوي إسماعيل على نفسه وعلى الدولة في الاقتراض والاستعارة المالية وما استتبعه ذلك من عجز في التسديد ومن ثم الحماية السياسية وما جرت من عواقب وآلام على تاريخ مصر الحديثة.
وحين تجد عناصر الثقافة القومية نفسها قاصرة عن منافسة العناصر الدخيلة والمستعارة أو عاجزة عن هضمها ووضعها في قالب قومي أصيل، وحين تفقد تلك الثقافة الأنصار من أهلها يكون مصيرها مصير الطفل الذي لم يجد من يرعاه ويحنو عليه فسينفذ مجهوده الضعيف في صراع الحياة ويشب ضعيف البنية ناقص التغذية مشلول النشاط.
وحين يمر عصر التقليد والمحاكاة وترسخ العناصر المستعارة في الثقافة الوطنية ثم تحاول العناصر القومية الأصلية أن تنهض لتطالب بحقها في الحياة يكون التنافس بين طرفين غير متكافئين - كما يقول علماء القانون - فيحلق بأضعفها غبن يترك أثره السيئ في صميم المصلحة السياسية والاقتصادية والتكافل الاجتماعي.
إذن فوزر حفظه الثقافة القومية في إهمال الدفاع، واستخلاص التوجيه الثقافي من الأقليات الدخيلة، ومن يد السطحيين والمتطفلين وأصحاب الثقافة المنشقة المشوهة وزر عظيم، والنكوص عن الدفاع عنه مع القدرة عليه أثم عظيم - على حد قول الفقهاء.
ولقد اشتكى مورياك وزيجفريد وسارتر بأن الثقافة الأمريكية البرجماتزمية المعاصرة لا