للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تعترف بدينها للحضارات الأوربية القديمة أو الحديثة. (وهذا ينطبق على النازية والماركسية كذلك) وإنما تفخر بأنها وليدة التاريخ الأمريكي والدفع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي نبت في العالم الجديد. ولذلك فإن في الأمريكان مزيداً من الشعور بالعظمة وفيهم لون من الاحتقار والاستخفاف بكل ما هو أوربي. وما ذلك إلا لأن أوربا لم تكن البادئة في صنع السيارات والثلاجات وألف نوع ونوع من هذه الحضارة المادية التي هي ابرز عناصر الثقافة الأمريكية.

فإذا كان هذا موقف الأمريكان من الحضارات الأوربية فإن موقفهم من حضارات الشرق يكون أشد وأعنف.

فالشرقيون عند الأمريكيان علم على الانحطاط الخلقي والضعة الاجتماعية وسوء السلوك والحسن والدناءة وكال ما في قاموس اللغة من صفات ونعوت سيئة. وهذا التحامل وإن لم يكن مقصوراً. على الأمريكان - وإنما يشترك فيه جميع الشعوب الأوربية - إلا أن الأمريكان يقرونه في دساتيرهم المدونة ومعاملاتهم القانونية وصميم الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، الأمر الذي جعل مشكلة الصراع العنصري في أمريكا وصمة في جبين القارة الأمريكية.

وقد يستطلع المثقف الأمريكي ألوانا من العظمة في حضارات الشرق، ولكن هذه الألوان لا تثير فيه إعجاباً صادقاً مخلصاً ولا تؤثر في عقليته ومشاعره. وقد يستشهد بها في معرض الكتابة أو المحادثة ولكنه لا يسمح لنفسه ولا لثقافة أن تتطعم بها لأنه - وهو برجماتزمي أصيل - لا يجد فيها إمكانيات لمستقبله الثقافي.

فحضارات الشرق عند الأمريكي أمر عفا عليه الزمن، فهو جزء من الماضي ولا مكان له في حضارة العالم الجديد بالرغم مما في الثقافات الشرقية من عناصر خالدة تصلح لكل زمان ومكان.

ولذلك يندر أن تجد في ملاعب أمريكا مسرحيات أو أفلاما تعالج الشرق من ناحية مشرقة. فالشرق لا يمد المنتج الأمريكي إلا بالمواد التي تصور له ولجمهوره الصورة الخاطئة التي يحملها من الشرق: ضعة وخسة ومكر ودهاء، وألوان من القساوة والشذوذ يعرفها كل من شاهد الأفلام وقرأ القصص الأمريكية التي اتخذت الشرق وحضاراته وشعوبه مواضيع لها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>