للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ثم هناك مشكلة أخرى يخلقها التقليد الأعمى والنقل (الخام) والمحاكاة والاستعارة بدون هضم صحي سليم للعناصر الثقافية المستعارة.

هذه المشكلة تتعلق بطبيعة الخلق القومي وطبيعة المكونات المثالية (الأيديولوجية) التي تجعل الخلق القومي على ما هو عليه من تميز وتفاضل.

فالثقافة الأمريكية ثقافة مادية (برجماتزمية) بنيت على الفلسفة الدارونية التي تبرر انتهاك حرمات العدالة والأنصاف والفضيلة على أساس الفكرة التي تقول بأن (البقاء للأصلح) والحق للقوة؛ وهذا يعني إنها لا تؤمن بمساواة الضعيف العاجز في الحقوق التي للقوى المتمكن. وهذه المثالية في الثقافة الأمريكية البرجماتزمية لا تقتصر على الحياة الصناعية والتجارية ولا على السياسة (كما ابتلى بها العرب في مأساة فلسطين) وإنما تشمل كذلك صميم العلاقات الاجتماعية وسائر اوجه النشاط الإنساني.

قال (شارل بير نز أحد مؤسسي الفلسفة البرجماتزمية ما يلي:

(اختيار الطبيعة للصالح من الأشياء كما يراه دارون يعنى أن عنصر التقدم وجوهره لا يتبع إلا عاملاً واحداً هو الإنتاج. فإذا أريد لهذا التقدم أن يستمر وينمو ويزدهر فلا مفر من خلق العراقيل للقضاء على العناصر التي لا تنمو، ومن ثم فإن القضاء على الضعيف وسيلة جوهرية من وسائل التقدم والرقى. وهذه مثالية لا تختلف في جوهرها - كما ترى - عن النازية والشيوعية المادية.

فهي لتأصل العنصر المادي فيها تنكر الروحانية، والروحانية عنصر أصيل في الثقافات الشرقية.

وإلا فما فائدة الدين والمثل والقيم الروحانية التي تسنده فتعين الفرد والمجتمع على اتباع حياة فاضلة؟

والدعوة إلى القضاء على الضعيف أو تجاهله كوسيلة جوهرية من وسائل (التقدم والرقي) مبدأ يعرض صلب التكافل الاجتماعي إلى خطر التفكك والانحلال، ويخلق في الناس مشارب وأهواء وفلسفات لا يرضى عنها الدين، ولا تنمي في النفس السماحة، ولا تحقق لها الطمأنينة الوجدانية، وعلى ضوء هذه البرجماتزمية نستطيع أن نفسر نصرة كثير من رجال الدين والفكر والسياسة والاقتصاد في أمريكا للعدوان اليهودي في فلسطين وإمداد هذه

<<  <  ج:
ص:  >  >>