فاحترام الوالدين مثلاً نظام لا تقره الثقافة البرجماتزمية - أو بالأحرى لا تقر عليه - والولد بحكم هذه الثقافة لا يؤمن بحق والده عليه في الولاء وفي الطاعة وفي الواجبات التي تحتمها صلة الرحم والشيخوخة وهي واجبات أصيلة تؤلف عنصراً أساسياً في التكافل الاجتماعي.
ومن ثم كان هذا الانحلال الذي أصاب العائلة الأمريكية واستدعى هذه النسبة العالية من حوادث الطلاق ومشاكل الزوجية بالإضافة إلى ذبول العقوق وانقطاع الصلات الروحية والعاطفية بين الأب وابنه والزوج وزوجته. ولولا الرخاء الاقتصادي (الذي من قبيل المصادفات التي جادت بها الطبيعة البكر على سكان (العالم الجديد) والذي صاحب التاريخ الأمريكي، لدفعت عناصر هذا التفكك الاجتماعي بأمريكا إلى الفوضى والانهيار. إذ أن أسس العلاقات بين هذه النظم الاجتماعية كلها هي صلات برجماتزمية مادية. ومن قال أن المادة هي أساس التكافل الاجتماعي؟ أو ليست هذه الوصمة هي محور النقد الذي يوجهه العالم إلى الماركسية وتعاليمها؟
والأدلة عديدة على أن العلاقات البرجماتزمية لا تصلح للحياة السعيدة يلمسها المراقب هنا في أمريكا ويلمس كذلك سمي الأمريكان عبثاً للتغلب عليها وأصلاحها بمثل وقيم تشوبها طوابع الروحانية وتبتعد أكثر فأكثر عن الفلسفة الدارونية.
فمسرحية (موت البائع) مثلاً التي لا تزال تمثل على مسارح برود واي في نيويورك وفي كثير من المدن الأمريكية الكبرى باستمرار منذ اكثر من عامين، تضرب على هذا الوتر الحساس في مشاعر الأمريكي - فهو إنسان قبل أن يكونبرجماتزمياً - فستنزف دموع رواد المسرح كما لو انهم في مأتم. فالمسرحية تدور حول أب وجد نفسه في سن الشيخوخة في مدينة صناعية وقد عجز عن توفير الطمأنينة الاقتصادية لنفسه ولزوجته العجوز في أيامهما الأخيرة. فلم يشفق عليه المجتمع ولن ترأف به النظم (البرجماتزمية). ومع ذك لم يستلم إلى القنوط إلا بعد أن تحقق من فقدان الشفقة والرأفة عند فلذات كبده من بنين وبنات، وهم الذين ساهم معهم في أيام شبابه في توفير المعيشة لهم وتزويدهم بما يزود به الناس أبناءهم من تربية وحسنى فكان أن عجز هذا الشيخ عن مواجهة الحياة البرجماتزمية