ففقدان الشفقة والرأفة والحنان بالشيخوخة عند البرجمانزميين مرجعه احتقارهم للضعف مهما كانت بواعثه. والشيخوخة ضعف بغض النظر عن أسبابه.
ولما كانت الفلسفة الدارونية هي جوهر الثقافة البرجماتزمية التي تعيش عليها أمريكا فلذلك لا تؤمن العقلية الأمريكية بالنظريات والروحانيات وهذه الصلات الرقيقة الرفيقة التي تلطف من قساوة الحياة وعصفها كما نؤمن بالنتائج وبالنواحي العملية في النشاط الإنساني ومن ثم فقد الأمريكان احترامهم للثقافة بمعناها الحقيقي.
فالمدرس وأستاذ الجامعة في أمريكا لا يحظى بالاحترام الذي يحظى به في ألمانيا وفي مصر والهند مثلاً. وما ذلك إلا لأن إنتاج المعلم شيء لا يلمس باليد. ولا شك أن الأمريكي يدرك أهمية التعليم وأهمية تعميمه ونشره وترقيته ولكن لا لهذه المتعة العقلية التي توفرها الثقافة الحقة. ولذلك فلأمريكي لا يحترم مهنة المدرس احترامه لصاحب المصنع ومخترع آلة غسل الأطباق مثلاً؛ فلا غرابة أذن أن يكون رجال التعليم في أمريكا اقل أصحاب المهن دخلا، وإلا يلاقوا في المجتمع الأمريكي ما تستحقه وظيفته من مكانة أدبية واحترام ومكافأة مادية تتفق مع ما يحظى به أصحاب الإنتاج الزراعي والصناعي المادية.
فالمستوى والمكانة الاجتماعية عند البرجماتزمين يقاس بالدخل المادي. وبنسبة النجاح الذي أصابه المرء في عالم الحضارة المادية بغض النظر عن طبيعة الوسائل التي حقق بها المر هذا النجاح، شريفة كانت أم غير شريفة. ويقول لك البرجماتزمى أن الحياة كالمصعد (الأسإنسير) لا يسألك الناس فيه من أين جئت، وبماذا جئت، ومن أين لك هذه، وإنما همهم أن يعرفوا إلى أين أنت ذاهب!
وقد يختلف الناس في تفسير هذه الحكمة البرجماتزمية ولكنهم لن يختلفوا في شيء واحد وهو أن البرجماتزمية تجرد الأشياء من جميع القيم كانت أم غير فاضلة، وتقيسها بمقياس الحالة الراهنة. فهي لا تسأل عن الموجبات ولا تهتم كثيراًبالعواقب، وإنما تنظر إلى الأمور نظرة زمنية مادية بحتة. ومن ثم كانت الأخطاء السياسة الشنيعة التي ارتكبتها أمريكا في فلسطين مثلاً وفي هذه البلية الاقتصادية والسياسية التي تواجهها أمريكا إزاء التحدي الروسي الذي يبدو أنه يتخطى في كثير من الحالات النظرة المادية المحددة وتتلاعب