بالتطور في مرونة وانتهازية تستمد قوتها من طبيعة الخلق القومي الروسي التي فسر بها لينين وستالين المبادئ الماركسية وجعلا منها فلسفة روسية (سوفيتية)
فالنجاج عند البرجماتزميين هو مقياس كل شيء، فقد تجد فناناً يبدع أرقى أنواع الفن ولكنه لا يحظى بالتقدر، ولن (ينجح) إلا إذا استطاع أن يوجه فنه توجيهاً (ماديا) تجارياً. فإذا اتجه الفن والعلم مثلا لتبسيط القواعد وابتذال الفكرة ووضعها على أسس (عملية) تزين الصحف بالرسومات الإعلانية، وتفكيك الفلسفة والمعرفة وجعل عاليها سافلا بحيث يهضمها الجهلة وأنصاف المتعلمين - إذا انحط رجل العلم والفن إلى هذا المستوى (نجح) أو بمعنى آخر ازداد دخله واتسعت شهرته وارتفعت منزلته الاجتماعية والأدبية. وقد تكون هذه الحقيقة عامة تشتر فيها اكثر الثقافات ولكن لا ريب في أن رسوخها في أمريكا أشد من أي مكان آخر.
ويبدو أن هذه الناحية في الثقافة الأمريكية قد وجدت سبيلاً إلى بعض الكتاب والفنانين من رجال الثقافة العربية. - ودار الهلال مثلاً - وهما رمز للتحدي الذي تواجهه الثقافة العربية على النحو الذي استعرضناه في هذه الكلمة - قد (بسطت) الأدب والفن والعلوم وكثيراً من عناصر الثقافة في وسائل برجماتزمية صادقة حققت لهذه الدار ومثيلاتها ألوانا من (النجاح) وجندت لذلك أقلاما ما كان انفعها إلا تنبسط وأن لا تجند.
ويخيل إلى أن العظمة التي تتبوؤها الثقافة الأمريكية في هذه الفترة من التاريخ لا تعود إلى علو كعبها بالقياس إلى الثقافات الأخرى، وإنما تعود إلى القوة المادية التي تجعل من أمريكا السلطة التي - بحكم ما لها من نفوذ سياسي وبأس اقتصادي - تفرض برجماتزميتها على مختلف الثقافات الإنسانية المعاصرة التي تصل بأمريكا بمختلف الصلات وتحت مختلف الأوضاع والظروف.
فلنحاول - في العدد القادم - أن نتابع دراسة أوجه أخرى من هذه الثقافة البرجماتزمية العملية (الناجحة).