للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فلم نسمع قط أن أحداً تقدم إلى جامعة السوربون ببحث في تدوين الأناجيل هل هي من كتابة الرسل أو كتابة أناس آخرين مجهولين أو معلومين.

والجامعات الإنجليزية تدرس تواريخ الأديان وتدرس المقابلة بينها، فلم نسمع قط أن دراستها هذه أجازت لصاحب رأى أن يطلب منها إقرار قول من الأقوال، يخالف ما تلتزمه أمام جميع المتعلمين كذلك تدرس الجامعات الإنجليزية، كما تدرس الجامعات الفرنسية، علوماً شتى في نظم الدول، وقواعد الدساتير. فلم نسمع قط أن طالباً فرنسياً عرض على جامعة فرنسية بحثاً في إنكار النظام الجمهوري. وتفضيل النظام الملكي عليه، ولا أن طالباً إنجليزياً عرض على جامعة إنجليزية بحثاً في ترجيح النظام الجمهوري على نظام الدولة الملكية. لأن المسألة ليست مسألة حرية وكفى، بل هي مسألة حرية مقرونة بتعبه. فينبغي التفرقة بين ما تكتبه باسمك على تبعة نفسك، وبين ما تكتبه ثم تلقى بتبعاته كلها أو بعضها، على مؤسسات تحميها الدولة وتلقى دروسها على جميع أبناء الأمة، وهم أحرار أيضاً فيما يقبلون وفيما يرفضون.

فلا خلاف على حرية الرأي كائنا ما كان في حدود القانون وإنما الخلاف في احتمال التبعة وتقديرها، وفي موضع التبعة وتمييزه، وليس بأهل لحرية الرأي ولا بقادر على أمانته من يفوته هذا التمييز.

وكاتب هذه السطور يحرص على حرية الرأي، ويعتقد أن الحرية الشخصية هي غاية كل تقدم وارتقاء في تاريخ بني الإنسان، وأن مقاومة الرأي إنما تكون برأي مثله، ومقابلة البرهان إنما تكون ببرهان على قياسه، وأن المصادرة بالقوة عمل لا يليق بأصحاب الآراء ولا يحسن بهم أن يهيبوا بالحكومة إلى اتخاذه، إلا أن يكون في الرأي إخلال بالآداب متفق على تحريمه.

لكننا لا نعطي حرية الرأي كل هذا الحق إلا لأننا ندين بأنه حق ينتهي عند حده ولا يجوز أن يتعداه.

فليقل من شاء ما شاء ما دام هو صاحب التبعة الوحيد في كل ما يقول:

ولكن هل هو صاحب التبعة الوحيد فيما يلقيه إلى الجامعات الرسمية لتقره باسم الدولة، واسم الأمة بأسرها من وراء الدولة؟ هنا محل التقدير والتمييز.

<<  <  ج:
ص:  >  >>