المستقر في قرارة النفس على صورة القانون الخلقي، فيضل الإنسان في غياهب الشر، ويبعد عن طريق وحدة الوجود. كما تلائم هذه الأهواء الفردية الحياة العامة وتعرقل تقدم المجتمع الإنساني، وتسوق المتأثر بها إلى خوض غمار حرب مع قوة العواطف الخيرة، أو يصطدم بالمصالح العامة، لأنها تؤذي أغلبية القوم وتضر بمنافعهم، وتوقع عليهم ظلماً وجوراً لا تصبر عليه النفوس طويلاً، وسريعاً ما تتآلب عليه وتحطمه، وتضع الحق في نصابه، وتسلب من الظالم أداة ظلمه، وترده إلى طريق الصواب، وتجبره على أن يفعل الخير للجميع.
فرغبة الشر رغبة ذاتية عرضية، لا تدوم إلا بدوام سيادة الأنانية على النفس، وتزول عند مثول رغبة الخير التي تنسجم مع القانون الأخلاقي. أما الشر في حد ذاته فحقيقته سلبية غير ثابتة، ولا ينفك يتحول في مظهره إلى أن يصبر على آخر الأمر خيراً يعم الجميع، لصراعه الذي لا ينقطع مع قوى الحق التي تنشد حقيقة وحدة وجود. ومثل الشر في تغيره هذا مثل الفلسفة الفكرية التي يأخذ العلم في تنقيحها وتصحيحها شيئاً فشيئاً إلى أن تصبر حقيقة ثابتة.
بينما رغبة الخير يقويها في النفس الإيمان العميق بأن الله أودع ذاته الإنسان على صورة القانون الخلقي، الذي يجب أن نتمسك به كل عاقل، ويرضى رضاء تاماً أن يخضع لتعليماته وإشاراته. والخير قبس من لدن الله ينير سبيل الروح نحو وحدة النفس الإنسانية، ويهديها إلى الكشف عن أوجه الله المختلفة في أعماق الكون، فمن رغب الخير سار في طريق وحدة الوجود وأتبع هدى رغبة كلية إيجابية تتمشى مع أغراض الحياة العامة وتدفعه دفعاً حثيثاً نحو الرقي والسعادة، وتحصن بقوة لا ترهب نيران الشر المفترسة، وتسحق الأنانية في النفس. إن تطور الحضارات، ودأب الإنسان المتواصل في الوصول إلى أرفع درجات الكمال، لأوضح دليل على أن الخير يتغلب على الشر، وأن الغيرية تنازع الأنانية، وأن الوحدة الإنسانية تبتلع كل وحدة فردية، وأن العالم في طريقه نحو وحدة الوجود.
فليس هناك ما يدعو للاعتقاد في أن الحياة شر في شر، أو تسير من الشر إلى الشر، ولا خير فيها على الإطلاق، ولن ينجو فيها أحد من سوء. لأن الشر فوق أنه حقيقة سلبية متغيرة غير ثابتة على الحال ومالها للزوال، لا يمكنه أن يعوق تدفق تيار الحياة أو يعرقل