للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بدليل أنه لما طاب للفرقة إخراج آخر رواية ترجمها الأستاذ مطران لم يجد المخرج بداً من مسايرة السيدة دولت أبيض والسيد منسي فهمي، بإسناد دور ديدمونة إلى الأولى ودور ياجو إلى الثاني، وبإبقاء دور عطيل مع الأستاذ جورج أبيض، أي بإبقاء القديم على قدمه. فهل قام هؤلاء بتمثيل أدوارهم قياماً مقبولاً؟ وهل أكسبتهم الأعوام اختبارات فنية أضافوها إلى صناعتهم في التمثيل؟ وهل استطاع المخرج الأوربي تلقيحهم بمعلومات خاصة من عنده؟

أزعم أن المخرج لم يكلف نفسه عناء تصحيح أي موقف لممثل من مواقف هذه الرواية الجبارة، ولو فعل حقاً لكان اختار لدور ديدمونة غير الممثلة دولت أبيض، لا لأنها لم تحسن فهم دورها، ولا لأنها لم تُجد إخراج مقاطع صوتها بحنان وعطف، ولا لأنها لم تجهد نفسها لإظهار الحب البريء البكر بأطهر مظاهره، بل لأن تقاطيع وجهها ونظرات عينيها كانت كأنها من صنع رسام فاشل توحي إلى الناظر أكثر من معنى واحد، وتجعله يراها تبكي بينما هي تضحك، أو تضحك بينما هي تبكي. والمفروض في المخرج البارع ملاحظة هذه الحالة الفسيولوجية التي لا دخل لإرادة الممثل واجتهاده فيها، بل والواجب عليه تفاديها، وليس ثمة من سبيل إلى التفادي إلا باختيار ممثلة أخرى وهن في الفرقة كثيرات

وهناك تقصير من المخرج يستوجب اللوم من أجله، ولا أجد سبباً لوقوعه فيه سوى سبب المسايرة والمجاراة وإرضاء الجميع على حساب (الضمير الفني) فالممثل الذي لعب دور ياجو وسبق له أن لعبه مرات في خلال ربع القرن الماضي، إنما كان فهمه له خطأ، وكان تدريب معلميه له خطأ أيضاً، وبذلك دلل على أنه صدى يردد، وأنه لو كان التفت المخرج إلى هذه الناحية الفوتوغرافية فيه لكان طبعه طبعة صحيحة تظهر نفسية ياجو على حقيقتها وعلى ما هي مفطورة عليه

قد يفهم المخرج الأوربي معاني (الكيد والتحدي والجريمة) وهي عناصر رئيسية في الحيوان الشرير الذي يدعى الإنسان، وأن عوامل التهذيب والتثقيف تصقل هذه الخلائق أو تبرقعها ببراقع في علم السلوك والاجتماع، وهي تغوص أو تطفو وفق الانفعالات والظروف. وقد يفهم أيضاً أن شخصية ياجو التي رسمها شكسبير العظيم إنما هي بعينها هذه الشخصية اللعينة المهذبة، المريضة المثقفة، وأن لا محيص لصاحبها أن يكون كيساً

<<  <  ج:
ص:  >  >>