للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لبقاً لماحاً مرهف الحس، لا ضحاكا مهرجاً كما فهمه الممثل منسي فهمي، وبعبارة أصح كما تركه المسيو فلاندر يلعب دوره على هذا الأساس الخاطئ. فهذا المخرج يستأهل اللوم، لا لأنه أهمل فقط تدريب الممثل بل لأنه يستهين بثقافتنا وبنهضتنا الأدبية متوهما أن محيطنا الأدبي وبيئتنا الثقافية تجللهما سحابة خانقة مكفهرة كالتي تشوب الجو المسرحي

لم تكن كل المواقف التي وقفها الأستاذ منسي فهمي خاطئة، فإنه مثل ببراعة المرح البسام والسخرية المريرة إذ يجتمعان في النفس ومثل السخرية من المخلوقات التي تعميها حيوانية الغرائز، ومن تحفزهم طبيعة الطمع ولاقتناص المال واستلابه من هؤلاء الذين جاءهم عفو الإرث من الآباء أو الأجداد، ومرح الرجل العارف مبلغ قوته ومقدار معرفته طبائع الحياة وأخلاق الناس

قبيل الذهاب إلى الأوبرا أخذت أسال نفسي: هل نضب الأستاذ أبيض أم ركد أم ما برحت حيويته وثابة تنتهز الفرص الحافزة وتترقب سنوحها بصبر؟ ثم قلت إن رواية عطيل خير مسبار يبرز نوع معدن الرجل على حقيقته

جلست في مكاني أعير تمثيل الرجل كل انتباهي. فعلت ذلك لسببين الأول لأني شاهدت تمثيل هذه الرواية على مسارح فرنسية وإيطالية، والثاني لأقول لبعض الأصدقاء من الناقدين إن النقد فضلاً عن أنه موهبة فهو فهم، وحس، وسعة اطلاع، ولا يطالب الناقد المسرحي بزيارة عواصم العالم ومسارحه كلها ليكون ناقداً مسرحياً فالعبرة إذن ليست بالسياحات بل بما ذكرت من المواهب الطبيعية والاكتسابية

أعرت الأستاذ أبيض انتباهي ويقظة نفسي فألفيته يمثل دوره على نقيض ما مثله فيما مضى. وقد أعجبني منه تحوله عن اللهجة الخطابية وانصرافه عن مظاهر الحماسة إلى تمثيل انشغاله الذهني في شؤون وظيفته العسكرية واضطراب عاطفته المستثارة بلواذع الغيرة، ولما كانت تعضه الآلام بأنيابها السامة كان يصرخ صرخة هي كومضة البرق في ليل ملبد بالسحب القاتمة، ثم يعود إلى نفسه ليسكن لواعجها فيداهمه ياجو بمواد من سمومه القتالة. وهكذا مشى الممثل جورج أبيض يقبض على ناصية المسرح وبعبارة أصح يضم أذهان النظارة وأحاسيسهم في قبضة يده

إني وإن كنت أسجل بفخر للمسرح المصري وقفة الأستاذ أبيض فيجب ألا أنسى الآنسة

<<  <  ج:
ص:  >  >>