للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بها فوق ذلك من الأمم الأخرى: الحثيون. والكلدانيون. والفينيقيون. فلا عجب أن تكون مصر خير أمة يجب دراسة تاريخ الفن فيها. بل ما أجدرها أن تجتمع حولها الدنيا الحديثة لترقب في آثارها وسجلاتها صوراً خالدة من الدنيا القديمة. وتقرأ في مظاهرها المتباينة جليلا من كتب المجد لم تجمعه أمة غير مصر.

وقد يجب أن تعتبر مصر ملتقى ثقافات الشرق بالغرب. بل إن ثقافة مصر ذاتها نشرت على البلاد المجاورة لها نوراً كان له الأثر الأهم في حضارتها وتفكيرها.

ونأخذ دليلاً على ذلك فتوح مصر القديمة على يد جيوش (تحوتمس الثالث) و (رمسيس الثاني) مثلاً. فان أمثال هذه الفتوحات قد ترك في كل مكان، من الغرب للشرق، ومن المال للجنوب، أثرا، لا تزال بقاياه تشاهد في الآثار الموجودة حتى أقصى الفرس، وحتى أقصى بلاد المغرب، وحتى أواسط أفريقيا.

ولكن مصر ظلت مدى هذه التطورات التي مرت بها محافظة على قومية خاصة في فنها لم تعرف لها ظاهرة في أي أمة أخرى. ففي عهد المدنيات الأربع المتعاقبة على تاريخها، التي ذكرناها، وفي عهد الاقتباسات الفنية القليلة التي دخلت على الفن المصري في بعض فترات من التاريخ، كان للفن عندها طابعه الخاص. لا يخطئ قوميته أو روحيته الملازمة له. فهي إن كانت في إبان المدنيات الأربع قد انتقلت من عصر إلى عصر، يكاد يكون كل واحد منه غريباً عن أخيه في ثقافته ونظامه، حتى ليظهر جديداً كل الجدة عما كان مألوفاً من قبل. وان كانت الحياة قد تطورت عندها، من مصرية فرعونية، إلى إغريقية ورومانية، إلى مسيحية وقبطية، إلى إسلامية، إلا أن الفن في إبان هذه الثقافات الطارئة كان مصرياً. مصري الشخصية والروح. أو أن البلاد تمصر فيها الفن، أو هي مصرت فن كل مدينة من تلك المدنيات، وذللته ليلائم طبيعة مصر، ويتمشى مع ذوقها.

وان كان من شاهد يطلب على ذلك، فقد نشير إلى آثار الفن في العصر الذي حكمت في مصر فيها الإغريق والرومان مثلن ونقارنه في نفس الوقت بما كان من اثر الفن الإغريقي والروماني في بلاد الإغريق والرومان ذاتهما. فلاشك سيظهر ذلك الفرق واضحاً بين روحية الفن في المكانين في الإغريق والرومان متشحاً بذلك الوشاح الظاهر من الإجهاد والتعمق. وفي مصر بسيطاً وديعاً رشيقاً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>