وكما نطبق هذه الحال على العصر الإغريقي والروماني، نطبقها أيضاً على العصر المسيحي القبطي، الذي كان فاشياً فيه نوع الفن البيزنطي. فان نفس تلك الظاهرة التي بيناها ستفرق ما في مصر عما كان مألوفاً في ذلك العهد من نفس نوع الفن في القسطنطينية مثلاً، مهبط الفن البيزنطي.
وهكذا أيضاً الفن الإسلامي. فقد يكفي بلا كبير عناء مقارنة ما في مصر من آثاره بما هو موجود في بلاد المغرب مثلاً التي نقلت إلى مصر الأسلوب الفاطمي. أو ما هو موجود منه في بلاد العراق وسوريا اللتين ارتبطت مصر في طويل من الزمن معهما في عصر من الأسلوب والشكل. فقد خضع الفن الإسلامي نفسه في جو مصر لمزاج أهل مصر، وللروح المصرية. في حين أن له في كل مكان، وفي بلاد الإسلام جميعا، صبغة عالمية. فاضطر الفن لذلك أن يتكيف في الأرض المصرية بالطابع الذي تتميز به مصر دائما، وهو طابع الاحتشام والبساطة والرقة الذي يعطي مع ذلك أروع وألطف ما يكون من التأثير.
وحينئذ فقد بقي لمصر فنها الخاص بها، المنطبع بالطابع المصري الصميم، الذي لم يخطئ غرضه، ولم يشذ عن طريقه، منذ أخذت مصر مكانها تحت الشمس. وفي ذلك سر من أسرار عظمة مصر الفنية التي نعترف لها بها التاريخ.
وإذن فالفن المصري جدير بالدراسة قبل كل الفنون الأخرى. إذ هو فضلا عن كونه فنا محليا غير مقتبس في اصله من أي بلاد أجنبية، بخلاف غيره. وفضلا عن انه الفن الوحيد الذي احتفظ مدى التاريخ بشخصيته الخاصة التي اقترنت باسم مصر. فانه المرأة التي تعكس علينا ثقافات الأجيال المتعاقبة مجتمعة في سجل واحد، هو الآثار المصرية القديمة.
ودون ذلك يجب إلا ينسى فضل الفن المصري على فنون العالم، في انه المصدر أو المدرسة الأولى التي تلقنت عنه دروس الفن أمم الأرض جميعا.