يستفتح مجلس اللغو، مرسلاً لسانه يخوض في عرض هذا ويثلم شرف هذا وينحى باللوم الشديد على هذا، حتى إذا وقف لسانه في حلقه من شدة التعب - تعب الكلام وتعب الصيام - ونال من كل الناس مبغاه وقضى من كل ما يريد وطراً. رفع بصره إلى السماء وصاح في ورع متكلف (اللهم إني صائم اللهم إني صائم)، كأن هذه العبارة في عرفة تجب كل ما سبق، وتنسخ سائر ما قبلها، وتفتح له باب السماء، وتكون توبة نصوحا يلقى بها وجه الله راجمة حسناته سيئاته، وما هذه إلا صورة لا تخفى من صور رمضان، وما نرانا في حاجة إلى استيعاب غيرها من الصور؛ فالكلام في رمضان لا يتناهى عند حد، والكلام فيه لا يمل له دفع ولا رد.
ونخلص من هذا إلى القول بأن رمضان في هذه الأيام العصيبة التي أخذ الناس فيها يدركون معنى الإسلام الحقيقي. وتقدمت فيها الصفة الإسلامية للدولة، إلى مقام الصدرة من سائر بلدان الإسلام، نقول إن رمضان قد أصبح في هذا العهد ذا صفة بارزة محسوسة، إن كاد ليكون شيئاً مادياً تلمسه الأيدي وتراه العيون، وإن كاد ليأخذ بتلابيب المفطر ليدله على احترام شعائر الله وأداء فرائضه. وما هذا إلا من بشائر التوفيق ونصرة دين الله.