عليك مني صلاة الله أطيبها ... ومن سلام إله العرش أدومه
وعم بالفضل من واساك في عسر ... وذب عنك غداة الروح مخدمه
من آلك الغر والأصحاب إنهم ... أفلاك دين الهدى فينا وأنجمه
ومن تلاهم بإحسان فأنت له ... ذخراً بجاهك رب العرش يرحمه
فلما كان أواخر القرن السابع نظم الإمام شرف الدين محمد ابن سعيد الضنهاجي الدلاصي المشهور البوصيري المتوفي عام ٦٩٤ هـ قصيدة الخالدة المشهورة باسم (البردة) فلم يزد على ما سبقه إليه كعب بن زهير والربعي والصرصري سوى (قافية الميم) كما ترى:
أم هبت الريح من تلقاه كاضمة ... وأومض البرق في الظلماء من إضم
وقد كان لسقوط بغداد في منتصف هذا القرن (عام ٦٥٦هـ هزة عنيفة، كانت من أكبر الهزات التي انتابت جوانب الإسلام فكان لها أكبر الأثر في الحياة الأدبية. والنفوس دائماً تأبى إلا أن تنتهي إلى قوة قادرة مدبرة تدبرها وتدير شؤونها وترعى حقوقها. وهي لم ترضى في ذلك العصر بهذا الفاتح الغاشم ولا بهذا السلطان الجديد - التتار - الذي كان مخالفاً للكثير من تعاليم الإسلام وتقاليد الراسخة في النفوس المظلومة على أمرها من أن تسلك دوراً جديداً، يحقق لها معاني الاتزان النفسي، وليس لتلك النفوس بد من أن تجدد عهودها مع القوة الروحية القديمة لتأنس إليها وتستمد منها قواها الدنيوبة وآمالها الأخروبة.
وهكذا كان هذا الأثر أسبق إلى نفوس الشعراء قبل غيرهم، وهم أولى الناس بإظهار أحاسيسهم وإبداء عواطفهم والتعبير عن مشاعرهم المرهفة القوية. ولم يكن هناك بد من أن يهرعوا إلى مدح المصلح الأول فنظم الصرصري (٦٥٦هـ) والوتري (٦٦٢هـ) والبوصري (٦٩٤هـ) والعزاوي (٧١٠هـ) مدائحهم الخالدة. فلما جاء الشعراء من بعدهم نسجوا على منوالهم قصائد تشبهها في الوزن والقافية مراعاة لهذا التقليد الكريم.
ثم جاء صفي الدين الحلي في منتصف الحلي في منتصف القرن الثامن ودفعه ما في (بردة البوصري) من محسنات بديعية أن يجعل قصيدته ذاخرة بالبديع فسمى ما نظمه (بديعة) واختار لها هذا الإسم، فأصبح علماً تقليدا على القصيدة ينظمها صاحبها في مدح الرسول الأعظم مجتذباً الوزن والقافية والمحسنات البديعة.