صورة للطغيان يسجلها تاريخ القرن الثامن عشر؛ وقد ضجت أوربا والعالم المتحضر جميعاً لهذا الحادث الذي بدا فيه مبلغ استهتار القوة المسلحة بحقوق الأعزل الضعيف!
وفي هذه القصيدة يصور لنا (توماس كمبل) - وقد عاش بين سنتي: ١٧٧٧م، ١٨٤٤م - مأساة (بولندة) في عام ١٧٩٥م.
وهو يبدو فيها معبراً عن شعور الوطنيين ومحبي الحرية في العالم جميعاً، ممن آسفهم هذا الحادث وأرمض نفوسهم. . . ولسنا هنا بسبيل ذكر كفاح بولندة لتخليص استقلالها طيلة القرن التاسع عشر، أو إيضاح ما تلا ذلك من أحداث انتهت باحتلالها الأخير في أول الحرب الحاضرة؛ فلكل ذلك مواضعه من أبحاث التاريخ؛ وإنما تختم هذه المقدمة الضرورية بقولنا: إن قصيدة (سقوط بولندة) نشرت - لأول مرة - في عام ١٧٩٩م - أي بعد مأساة السقوط بأربع سنوات - ضمن ديوان للشاعر عنوانه (مباهج الأمل). . . وهاهي ترجمتها:
أيتها الحقيقة المقدسة! لقد تخلى عنك النصر، ولكن إلى حين، وفارقتْ أخاكِ (الأملَ) ابتسامتُه أسفاً عليك. . . عندما توجه الظلم الغاشم بجحافله إلى معترك الشمال، وتحركت فرسانه من العُتاة أولى القوة، ومشاته من (البندوريين) ذوي السبال والعثانين: خافقة أعلامهم الرهيبة مع نسمات الصباح مدويةً طبولهم في دقات كهزيم الرعد، مرتفعاً رنين أبواقهم في شبه العويل. . .!
إنه الفزع الأكبر في ضجيجه وعجيجه، يتحدَّر مع طلائع الشر منذراً بولندة والعالم كله بالويل والثبور!
. . . أشرف بطل فارسوفيا الأخير من مربأه العالي على سهول ألم بها الخراب واجتاحتها جوائح الدمار، فصاح من قلب منكوء:
يا أهلي، ضمد جراح وطني الكليم. . . أما ثمة يد قوية تشد أزر الأبطال المجاهدين؟ ولكن. . . لِتعْثُ في أرضنا شياطين الفناء، ولتُثْجِم عليها سحائب المنايا. . . فالوطن حي برغم ذلك باق؛ وباسمه الرهيب نشهر أسيافنا البواتر. . . فانهضوا يا رفاق؛ وأقسموا جميعاً أن تعيشوا من أجله أو تموتوا فداءً له!
قال البطل هذا، ثم انكفأ إلى رجاله البواسل ينظمهم صفوفاً خلف الأسوار الحصينة. . .