للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شعور قوي فياض فمن البدهي أن يكون الأسلوب أو الرسم أو اللون بالغاً منتهى الإجادة والسمو ولا تكون تلك الصفات إلا نور الحقيقة منبعثاً من مصباحها.

يعجب الناس رسوم رفائيل بحق، ولكن يجمل بهم ألا يعجبوا بها لذاتها أو لا تزان خطوطها اتزاناً بارعاً، وإنما يعجبون بما تنطوي عليهم من المعاني. وأما محاسن هذه الرسوم وكل ما يدعو إلى الإعجاب بها فتنحصر في وداعة الروح وداعة حلوة رأتها عينا رفائيل وسفرت معبرة عن نفسها على يديه، وفي الحب الذي يغمر نواحي نفسه والذي يفيض من قلبه على الطبيعة بأسرها.

ولقد حاول الكثيرون ممن تنقصهم روحه أن يستعيروا موسيقية الخطوط والحالات التي صور عليها أشخاصه فلم ينتجوا إلا مقلدات غثة لأعمال نابغة أو زيينو العظيم

وفي رسوم ميشيل انجلو لا يعجبن المرء بالطريقة التي انتهجها أو بالنتوءات القوية أو بالتشريح البارع، ولكن بقوة هذا الفنان الزاخرة. أما مقلدوه الذين تعوزهم روحه والذين نسخوا في لوحاتهم أوضاعه القوية الوطيدة، وعضلاته المنتفخة، فقد باءوا بالفشل ووضعوا أنفسهم موضعاً كله شين وسخرية.

وإن ما يصح أن نعجب به من ألوان تيتيان هو ما تقدمه لنا من المعاني لا بانسجامها القليل أو الكثير. فليس لألوانه جمال حقيقي إلا بما تتضمنه من سيدوده جليلة شاملة. ويظهر الجمال الحقيقي لألوان فيرونيز في قدرتها على إبراز حفلات النبلاء الرشيقة الأنيقة بألوان فضية موسيقية ساحرة.

وأما ألوان روبنز فلا قيمة لها في حد ذاتها ويكاد يكون جمالها المتوهج هراء لولا انطباعها بطابع الحياة والبهجة والسرور والشعور القوي العميق

ولا أظن أنه يوجد عمل فني واحد يرجع جماله إلى اتزان خطوطه أو تهويل ألوانه فقط أو إلى أنه يسترعي العين وحدها. خذ مثلاً النوافذ ذات الزجاج الملون التي يرجع عهدها إلى القرنين الثاني عشر والثالث عشر فهي إذا ما سحرتنا بألوانها الزرقاء المخملية، أو بحنان ألوانها البنفسجية، أو بحرارة ألوانها الحمراء، فما ذلك إلا لأن تفصح عن سرور خفي أمل صانعوه البررة الأتقياء أن يحظوا به في سماء أحلامهم. وإذا ما جاءت بعض قطع القاشاني الفارسي المزينة بأزهار فيروزية اللون آية من آيات الألوان الساحرة المحببة فما ذلك إلا

<<  <  ج:
ص:  >  >>