(إحياء النحو) فيه تحقيق فكرتنا. ثم ناولني نسخة من هذا الكتاب فكان سروري به عظيما لا يوصف. فقرأته بإمعان وترو متجرداً من عواطف الحب والكره، فرأيت المؤلف قد علل الحركات الإعرابية من ضم وفتح وكسر، وكذا التنوين وعدمه بتعليل طبيعي فطري يجري مع الذوق السليم. فكدت أطير فرحاً وزال عني ذلك الكابوس الذي كان جاثماً على صدري
فالكتاب جليل عظيم القدر، لا باعتبار مادته، بل باعتبار نزعته التجديدية، وترتيب معلوماته ترتيباً منطقياً لاستجلاء تلك الفكرة السامية. فهو بحق (إحياء النحو). وهذا العمل اكتشاف مهم في اللغة العربية: لإظهاره ما للغة العربية من مزايا جليلة، ولإزالته عناء البحث عن طالبيها، فبعد أن كان الطالب يحتاج إلى مدة كبيرة لمعرفة أسباب هذه الظاهرة صار يكفيه من الوقت لمعرفة ذلك أقل بكثير
وكنت أعتقد أن هذا الكتاب سوف يحدث ضجة في العالم العربي ولا سيما مصر، وأن الأقلام ستأخذه بالنقد والتحليل لإظهار حقيقته؛ ولكن - مع كل الأسف - لم يقع بعض هذا، مع أن في العالم العربي لا سيما في مصر فطاحل العلماء في اللغة العربية. هذا مع خطورة هذه المسألة، فهي جديرة بالبحث لأنها مسألة حيوية لها صلة بالتفكير والتعبير. ولو أن مثل هذا الكتاب ظهر في إحدى البلدان الغربية لأعاروه أهمية عظمى. وأني لأربأ بأبناء أمتي أن يبلغ بهم الجمود هذا الحد فيصدق فيهم قول أعدائهم من الأجانب: إن الأمة العربية أمة بعيدة عن التطور عدوة لكل تجديد.
والعجب كل العجب من الأستاذ (احمد أمين) أنه حين كتب في (الرسالة) حول موضوع (ضعف اللغة العربية) لم يجعل الضعف ناشئاً من قبل قواعد اللغة، بل اعتبره ناتجاً من قلة كفاية المعلم، وما إلى ذلك من مناهج، وتفتيش ووسائل التربية. وهذا لا ينكر أن لها أثراً في ضعف اللغة، ولكنها في المرحلة الثانية، وهي غير خاصة باللغة العربية، بل تشمل سائر الدروس
وبصفتي فرداً من أبناء الأمة العربية - أقترح: أن يشكل (مجمع اللغة العربية الملكي بالقاهرة) لجنة تنظر في هذا الكتاب وتمحصه تمحيصاً دقيقاً، وتختبر هذه النظرية التي دعا إليها المؤلف في كتابه وتضع لنا قواعد على ضوء هذه النظرية. إذ أن مثل هذا العمل من أهم أغراض المجمع المذكور، فان من جملة أغراضه أن يبحث كل ما له دخل في تقدم