وأرادت الأيام أن تسخر من المهندس الكبير مرة أخرى فسولت للخادم اللعوب أن تلصق به - ذات مرة - وتحدثه حديث أملها هي، وتوحي إليه بأمر، قالت. (وأنا أخشى أن تتناولك الألسن، فتصبح مضغة في الأفواه فتنهار كرامتك، وينحط قدرك، فدعني أبحث عن عمل آخر) وأحس المهندس الكبير بالصدمة تكاد تذهله فهو لا يطيق أن يعيش وحده بعد أن حطمته السنون، فقال (وأنا؟. . . افأعيش هنا وحيداً؟) قالت (فإن استشعرت الألم لفراقي فدعني أتزوج من فلان، وهو خادم في المنزل المجاور، فأكون له زوجة بالليل وأكون لك خادماً بالنهار!) وتهلل وجه الرجل للخاطر، واطمأن قلبه.
وهم الرجل يهيئ لزواج الخادمين وينفق من ماله عن سعة ويبذل في سخاء، ثم زفّت الزوجة - ذات ليلة - إلى زوجها. . .
وفي الصباح بكر المهندس إلى دار الزوجين، وبين يديه هدية ثمينة يطمع أن يخطف بها قلب الزوجة وأن يسترضى الزوج. ولكن لشد ما أصابه الذهول حين رأى الدار خاوية إلا من أشياء تافهة متناثرة هنا وهنالك. لقد طارت الزوجة بين ذراعي زوجها إلى حيث لا يعلم بعد أن سلبته ماله وقوته.
وارتد الرجل إلى داره يجرر أذيال الخيبة والحسرة. ارتد ليرى داره خالية إلا منه وهو يتهالك ضعفاً وفتوراً تأكله الوحدة وتلتهمه الوحشة.