للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يضايقه أن لا تبتسم له إلا ابتسامة جافة عابرة ينبجس من أضعافها معنى الألم والحسرة. فهو لا يحس أنها تنطوي على بغض له ما تستطيع أن تبوح به خشية أن تجتاحها ثورة الأب ونقمة الأم. إنه لفي شغل عن ما يختلج في أطواء الفتاة، لأنه سعيد في هذه الدار، سعيد بالضجة التي تكتنفه هنا وهنالك، سعيد بالزواج من هذه الفتاة الجميلة الزكية. غير أن خاطرة كانت تحوم حول عقله توشك أن تلجه فيدفعها عنه في شدة وعنف، خاطرة نبت غرامها في قلبه منذ أن تحدث إلى عادل حديثه وحديث الفتاة، فوجد منه الإصرار والعناد، لقد استطاع أن يوهم نفسه بأن الفتاة تلقاه في سهوم وصمت من أثر الحياء والخفر، وأنها تنزوي عنه حين تريد أن تتصنع الدلال ولتمنع، وهو حين يسيطر عليه الشك يتخيل بأن خلجات نفس الفتاة نزوة طائشة من نزوات الشباب لا تلبث أن تهدأ وتستقر.

وانطوت الأيام تدفع المشكلة إلى نهايتها.

أما عادل فكان يرى الحوادث حواليه تضطرب وتندفع إلى غايتها، وما له يد يدفع بها هذه العاصفة وهي توشك أن تلفه في غير رحمة ولا شفقة. لقد كان يلقى فتاته بين الحين والحين لا يستطيع أن يزع نفسه عنها، ويجلس إلى جوارها ويتحدث إليها، وإن قلبه المكلوم ليئن أنيناً يسمع ويرى، وهو يواري زفراته الحرَّى، ويداري عبراته الساخنة خلف ستار من الرجولة والكرامة.

ولكن عين الفتاة كانت تنفذ إلى ما وراء الحجاب فلا ينطلي عليها هذا التصنع وهي ترى فتاها ينهد من حزن عميق، ويتضعضع من أثر الصدمة. وهو يرى فتاته تذوى وتذبل لأنها تنقاد إلى أمر.

آه، ليت هذا الفتى المرح الطروب ينطلق على سجيته فلا يدع الأوهام الكاذبة تكبَّل روحه الوثابة.!

وضاق عادل بما يجد، فأنطلق إلى أبيه في القرية يطب لروحه وترقق الأب الشيخ بابنه الشاب وهو يحدثه: (يا بني، وماذا عسى أن أفعل والفتاة قد سميت على فتى آخر؟ أفتراني أستطيع أن أطلب إلى فكري بك أن يطرد خطيب ابنته في غير ذنب لتستقر أنت مكانه؟ إنني - وقد عركتني الحياة - لا أومن بالحب، وهو خرافة قلبية خلقها الشباب ليبرر بها نزوات الطيش وبدوات النزق، والحياة الزوجية - في رأي العاقل - دار وزوجة وأولاد.

<<  <  ج:
ص:  >  >>