للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وغداً تطم حاجات الدار على ثورات القلب، وتمسح تكاليف الحياة على نوازع النفس، وتبدو الحياة أمامك طفلاً يدرج في فناء الدار، ثم صبياً يتقلب في المدرسة، فإذا هو شاب تنمحي حاجاتك أنت لتفسح الطريق لما يطلب هو، فتبذل له المال والنفس والروح جميعاً. . . ولكن ألا تعلم شيئاً عن الفتى الذي تزعمه غريماً لك؟) قال عادل: (أنا لا أعلم من أمره شيئاً، ولم أجلس إليه إلا مرة واحدة في مقهى على النيل من مقاهي الجيزة. لقد جاء ليحدثني حديثه، ويطلب إليَّ أن أنسحب من هذا الميدان كي لا أخلق المشكلة التي يعضل حلها. إنه فتى وسيم الطلعة، عليه سيما القوة والجد، وعلامة النعمة والثراء، وهو هادئ الطبع، لين الحديث في غير ضعف. . . هو جلال بن عزت بك)!

وبدت الدهشة على وجه الأب حين سمع هذا الإسم، ونظر إلى ابنه نظرة صارمة، ثم راح يقول: (الأميرالاي عزت بك! إنه رفيق الصبا، وترب المدرسة والملعب، وصديق الشباب، وإنه مني بالمكان الذي أحرص فيه على رضاه لأيادٍ كثيرة له عندي. هذا أمر لم تكن تعرفه من قبل. وهكذا ترى أنني لا أستطيع أن أزحمه في أمر اختاره لابنه وسبقني إليه. ولا ريب في أن رجولتك وعقلك وحقي عليك ستدفعك حتما إلى أن تبقى عليَّ وتنزل عند رأيي، فدع عنك هذا الأمر، دعه وأنا أختار لك من تشاء لتكون زوجاً لك، وأبذل لك الجهد والمال لترضي!)

وخرج الفتى من لدن أبيه يتعثر في خيبته، وإن قلبه ورجولته ليتجاذبانه، فما يدري ماذا يفعل، وهو لا يستطيع أن يفعل شيئاً. الآن - وقد سدت الأبواب جميعاً في وجهه - لم يبق أمامه إلا أن يتوارى عن عيني الفتاة إلى الأبد. ولكن رجولته أبت عليه أن ينسل خفية كما يفر الجبان الرعديد من الميدان تحت سترين من الظلام والسكون.

لقد عقد العزم على أن ينسحب مثلما يرتد الجندي العاتي الجبار حين يرتد في وضح النهار ووجهه دائماً قبالة العدو، لا يطأطأ رأسه ولا تذل هامته، فذهب إلى الفتاة يعلن أمامها رأيه في قوة وصراحة.

وجلسا معاً في ناحية من حديقة الدار. لقد جاء يعلن لها رأيه ورأي أبيه. ولكنه تخاذل أمام جمالها الآسر وهو إلى جواره يشع حياة ونوراً، وتداعى أمام حبها المتأجج وهو يتألق في روحه بهجة وروعة، فأمسك عن الحديث. أفكان يطمع في أن يمد في عمر سعادته قبل أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>