للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وطواه الخمول بعد أن طبق ذكره الآفاق، ولكن هذا الشاعر المجهول قد زاد بديوانه على ثروة اللغة العربية خيرة أضاعها التفريط، وأودع من المعاني ما لم يضمنها إياها شاعر عربي آخر. ولقد كان ينبغي أن لا نذكر المتنبي وابن أبي حفصة وابن هانئ وغير هؤلاء من محترفي الشعر - كان ينبغي أن لا نذكرهم مرة إلا ذكرنا ابن حمديس مرارا، هذا الذي لا يذكره قراء العربية إلا كما يذكرون شعراء الغرب والصين، ولولا (ابن) قبل حمديس لما درى أكثرنا إن كان اسم رجل أو اسم مكان، ثم يسترسل العقاد حتى يقول:

وما ألطف قوله

تطيب أفواهن الحديث ... بحمر الشفاه وبيض الثغور

كما مر بالورد والأقحوان ... نسيم مشوب بريا العبير

ألا يترشف من بيتيه هذين رضاب الحسان، وتتنسم ريح الورد والأقحوان؟

وما أغزر دموع هذين البيتين:

ويا ريح إما مريت الحيا ... ورويت منه الربوع الظماء

فسوقي إلى جهام السحاب ... لأملأهن من الدمع ماء

وهل قال (شلي) في قصيدته (القنبرة) أحدث من هذا

أصبا هبت بريحان الصبا ... أو شمال أسكرتني بالشمول

حيث غنتني شوادي روضة ... مطربات بخفيف وثقيل

في أعاريض قصار خفيت ... دقة في الوزن عن فهم الخليل

ولحون حار فيها معبد ... وله علم بموسيقى الهديل

والدجى يرنو إلى صاحبه ... بعيون من نجوم الجو حول

وأين بيتنا صبري وشوقي في تنزيه صاحبتيهما عن هذا

البيت:

لا تنكري أنك حورية ... روائح الجنة نمت عليك

وإلى هنا يختتم الأستاذ العقاد كلمته عن هذا الشاعر، ونراه يوازن بين ابن حمديس وباقي الشعراء فيجعله في مصاف المتنبي والبحتري وابن هانئ! في أي ميزان من موازين النقد يوضع ابن حمديس مع المتنبي والبحتري؟ ويقول العقاد إن ابن حمديس أودع اللغة العربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>