للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأسفاً على ذلك الكنز الذي طاحت به الطوائح. ولا أحسب أنه قد بقي لنا منه إلا هذا الكتاب الذي عني به المستر دن هذه العناية، وكتاب آخر في أدب الكتاب نشره منذ عشر سنوات العلامة الأثري المرحوم علي بهجت. وكان كتاب الأوراق في حكم تلك الكتب التي لا نعلم شيئاً عن مصيرها، لولا تلك الروح العلمية المتوثبة التي حفزت ذلك الشاب العالم على إخراجه للناس في ثوب علمي جليل، ومعاناة تحقيقه وتمحيصه ومقارنة رواياته، فأضاف بذلك إلى المادة التاريخية لعصر بني العباس ما هو جدير أن يضئ الطريق أمام الباحث المؤرخ في كثير من مجاهل هذا العصر ومسائله الملتوية الغامضة.

وقد نجد في ترجمة الصولي كلاماً مختلف الأطراف بين مدح وقدح، وتقدير وتشهير، ولكننا لا نشك، إذ نقرأ كتابه (الأوراق) أنه كان رجلاً عالماً يمثل الروح العلمية خير تمثيل، ويضعها فوق كل اعتبار، متثبتاً على طريقة عصره في النقد والرواية، لا يميل مع الهوى، ولا يذهب مع الخواطر، ولا يقف دون النقد والمقارنة والتمحيص.

عرض في أثناء حديثه عن أحمد بن يوسف إلى رواية تحدث ابن طيفور عنه بها، وخلط فيها، فلم يدعها الصولي تمر دون أن ينقدها بما طوع له علمه الغزير وروحه العلمية القوية، ثم كتب هذه العبارة التي نثبتها هنا لتدل على تثبته العلمي من ناحية، وعلى مظهر من مظاهر الروح العلمية في ذلك العصر، من ناحية أخرى.

(وقد رايته (يعني ابن طيفور) بالبصرة سنة سبع وسبعين ومائتين، وقدمها إلى أحمد بن علي المادرائي، وكتبت عنه مجلسين أو ثلاثة، فلما رأيته صحفياً لم أر عنده ما أريد تركته، ويعز على أن أذكر أحداً من أهل الأدب بسوء وأن أستخفه، ولكن لا بد من أن نعطي العلم حقه، ونضع الحق موضعه).

أفرأيت إلى أي حد من الإجلال والتقدير كان نظر الرجل إلى العلم والحقيقة والأدب؟

يمثل هذا الخبر الصغير الذي ينبغي أن يرجع إليه القارئ في الكتاب صفتين من أبرز صفات الصولي وكثير من علماء ذلك العصر: وهما سعة المادة، والتثبت في الرواية. وعلى هاتين الصفتين قامت عظمة السلف، وعليهما يجب أن تكون الدائم التي نقيم عليها أبحاثنا العلمية في تاريخ الأدب، فلن تغنينا كل أساليب البحث ومناهج النقد، عن سعة المادة وتوفر المصادر والتقصي فيها بكل ما يتسع له الجهد ويطوعه الإمكان.

<<  <  ج:
ص:  >  >>