وزميله وأخيراً نزحا عن المكان وهما يضحكان. وبعد ساعات كانا نسيا ذلك الشاب غير مدركين أن الملك الذي يدون ما جرى من حوادث قد سطر في صفحتيها إثماً ضد روحيهما، إثماً دائماً بدوام الخلود. أما دافيد فكان لا يزال غارقاً في سبات هادئ فلم يشعر بشبح الموت وهو يجثم فوقه، ولا بضياء الحياة الجديدة التي منحت له عندما أنسحب ذلك الشبح. ونام ملء جفونه نوماً أبعد عنه الجهد والتعب. وأخيراً أخذ يتململ وتحركت شفتاه ثم تمتم وكأنه يتحدث مع أطياف أحلامه النهارية. وسرعان ما استيقظ عندما سمع صليل عجلات مركبة السفر وهي تنهب الطريق مقبلة نحوه. فنظر إليها ثم صاح - أيها السائق. أتأخذ معك مسافرا؟.
فأجاب السائق - أصعد - فهناك مكان في أعلى المركبة. وصعد الشاب مغتبطاً وسارت المركبة صوب بوسطون. ولم يلق دافيد نظرة على ذلك الببع بما جلبه له من أحلام متقلبة. ولم يعرف أن شبح (الثروة) قد ألقى ظله الذهبي على مياهه، ولم يدرك أن ملك (الحب) قد تنهد في هدوء واختلط صوته بصوت أمواجه، ولم يشعر أن شبح الموت كان على وشك أن يصبغ تلك المياه بدمه. حدث كل هذا في ذلك الظرف الوجيز من الزمان الذي كان فيه نائماً؛ فنحن في نومنا لا نشعر ولا نسمع وقع خطوات الحوادث وهي تمر علينا مراً. أليس في استطاعة قوة إلهية مهيمنة أن تجعلنا قادرين على التنبؤ - ولو بقدر بسيط - بتلك الحوادث الخفية الفجائية التي تلقى بنفسها في طريقنا؟