ثم عادت أدراجها وقد ثقلت خطواتها. كان والدها تاجراً ريفياً ناجحاً، وكان يبحث في ذلك الوقت عن شاب يساعده في أعماله ويشاركه في تجارته. وهكذا اقترب (الحب) من دافيد كما اقترب منه (يلاحظ) دون إن يدري عنه شيئاً.
وابتعدت الفتاة عن المكان عندما أقبل رجلان واقتحما الخلوة. بوجهين قاتمين وملابس رثة قذرة. كانا من أولئك المتشردين الذين يتعيشون على ما يرسله لهم الشيطان. وهاهما قد أقبلا لاقتسام ما ربحاه من المقامرة. وإذ بهما يشاهدان الشاب وهو نائم فهمس أحدهما إلى الأخر قائلا - إلا ترى تلك اللفافة التي تحت رأسه؟.
فأومأ الآخر بإيجاب، وغمز بعينه، ثم نظر شزراً. فقال الأول - أراهن على قدح من الخمر أن لم يكن هذا الشخص يملك محفظة عامرة بالأوراق المالية أو يخفي نقوده الفضية في مخبأ داخل هذه اللفافة، ذلك إذا لم نجدها في جيوب سراويله.
فقال الآخر - وإذا ما استيقظ؟.
فأشار زميله إلى مقبض خنجره المثبت داخل سترته، فتمتم الشقي الثاني قائلا - هذا يكفي!.
واقترب من النائم، وسدد أحدهما الخنجر صوب قلبه، فجعل الآخر يبحث في ثنايا اللفافة التي كان يتوسدها. وكانت ملامحهما تنطق بالشر والجريمة والخوف وهما منحنيان فوق ضحيتهما. حتى ليكاد أن يخيل إلى الشاب - إذا ما استيقظ ورآهما - انهما من الشياطين. ولو كانا قد القيا نظرة إلى صورتيهما المنعكستين على صفحة ماء النبع، لما عرفا نفسيهما وهما في هاتين الصورتين البشعتين. ولكن الشاب كان نائماً في هدوء لم يعهده من قبل.
وهمس أحدهما قائلا - يجب أن أحرك هذه اللفافة.
وتمتم الآخر - إذا ما تحرك سأقضي عليه.
وأقبل فجأة كلب يشم الأرض تحت الأشجار ثم القي نظرة فاحصة على الشقيين، وأخيراً عاد أدراجه.
فقال أحدهما - لن نستطيع عمل شيء بعد ذلك. إن صاحب الكلب بالقرب منه.
فقال الآخر إذاً دعنا نشرب ثم نرحل.
وأعاد الرجل خنجره إلى طيات ثيابه، ثم أخرج قارورة من الشراب، وجعل ينهل منها هو