لأن يغمره بالذهب. لقد فقد ذلك التاجر وحيده، ولم يعد له وريث سوى قريب بعيد لا يميل إليه، ولا تعجبه أخلاقه. ولهذا كان دافيد على قاب قوسين أو أدنى من الثروة والغنى.
ورددت السيدة تحاول إقناع زوجها - إلا نوقظه؟
وهنا سمع صوت السائق وراءهما يقول - أن المركبة على أهبة الرحيل.
فجفل الزوجان، واحمر وجههما، ثم أسرعا يبتعدان عن النائم وهما يعجبان ويتساءلان كيف خطر لهما أن يحاولا إيقاظ هذا الشاب. وتهالك التاجر على مقعد المركبة ثم سرحت به أفكاره بعيداً عن دافيد، ودفعته إلى الاهتمام بمشروع ملجأ للعاطلين.
ولم تكد المركبة تبتعد حتى أقبلت فتاة حسناء في خطى رشيقة، تشف عن قلب صغير يرقص في صدرها. ولعل ابتهاجها ومرحها وحركاتها هي التي دعت (وهل هناك ضرر من قولي؟!) إلى تهدل جوربها الحرير (أن كان حريراً؟) فانتحت جانباً بجوار المكان الذي يرقد فيه الشاب، وانحنت تحاول تثبيت جوربها. وسرعان ما علا وجهها حمرة خجل كاحمرار الوردة عندما أبصرت ذلك النائم المستلقي بجوار النبع، وهمت بالهرب في هدوء عندما لاحظت خطراً يهدد الشاب. كانت تحوم فوق رأسه نحلة ضخمة، وتدور حول المكان في طنين عال، فتارة تطير بين الأفنان، وتارة تندفع مخترقة أشعة الشمس، ثم تختفي في الظلال، وأخيراً حطت على جفن الشاب. وكانت الفتاة تعرف ما تسببه لذعة النحلة من ضرر فهاجمتها بمنديلها ونحتها عنه. ثم وقفت تلهث، وقد بدت حمرة الخجل على وجنتيها، وجعلت تختلس النظر إلى ذلك الشاب الغريب، وتمتمت تحدث نفسها ولم تزل حمرة الخجل تعلو وجنتيها (كم هو جميل الطلعة!).
كيف لم يساوره أثناء نومه حلم سعيد، حلم يستطيع فيه أن يلاحظ هذه الفتاة بين أبطال حلمه؟ ولماذا لم تشرق ابتسامة ترحيب على وجهه؟ لقد قدمت إليه تلك العذراء التي وافقت روحها روحه، والتي كان يتوق إلى رؤيتها، ويصبو إلى لقائها. إنها هي الوحيدة التي يتمنى أن يحبها الحب الفريد الكامل، وهو الوحيد الذي يستطيع أن يتربع في أعماق قلبها. وهاهي ذي الآن قد انعكست صورتها على صفحة ماء النبع بجواره، تلك التي ستختفي عن أنظاره إلى الأبد إذا لم يستيقظ ويرها.