وأطلت أرملة متوسطة العمر عليه، ثم حدثت نفسها قائلة: إنه يبدو فاتناً في نومه. ورآه مدرس وقور فعزم على أن يزج بالشاب المسكين في موضوع محاضرته التي سيلقيها ذلك المساء، فيشبه حاله بحال سكير أفرط في الشرب حتى نام بجوار الطريق. كانت كل هذه الخواطر بما فيها ذم ومدح، وسرور وغضب، وإعجاب واحتقار، لا تهم دافيد في شيء. فقد كان بمنأى عنها وهو غارق في نومه.
وأقبلت مركبة يجرها زوج من الجياد القوية سرعان ما وقف أمام ملجأ دافيد. كانت إحدى عجلاتها قد انزلقت بعيداً عنها، مما روع التاجر المسافر وزوجه قليلاً، فترجلا عن المركبة، إلى إن يتم استبدال عجلة بأخرى، وقصد إلى ملجأ دافيد تحت الأشجار التي تظلله. وتمتم النبع المتفجر يشكو تطفل الدخيلين، وتأثر الهدوء الشامل الذي كان يرين على المكان، فعادا أدراجهما في خفة وسكون، خشية أن يوقظا النائم. وهمس السيد الكهل قائلاً ما اعمق نومه! انظري كيف يتنفس في هدوء. وددت لو أنام مثل هذا النوم في مقابل تنازلي عن نصف ثروتي. أنه الصحة والسعادة وصفاء الضمير.
فقالت السيدة - ذلك بجانب الفتوة والشباب. إن الرجل الكهل وإن كان صحيح البدن لا ينام مثله.
وكان التاجر وزوجه كلما أطالا النظر إلى دافيد، ازداد اهتمامهما به، وهو نائم في ذلك المكان بجوار الطريق تحنو عليه تلك الأشجار، وكأنه يرقد في مسكن خاص لا ينازعه فيه منازع، وقد انسدلت فوقه ستائر فاخرة من الظلال، وأقبلت الشمس وقد وجدت أشعتها فرجة تنفذ منها خلال الأفنان، أقبلت تقبل وجهه. وشعرت السيدة بحنان الأمومة يطغي على قلبها، فأحنت فنناً تظلل به وجه الشاب، ثم همست تقول لزوجها.
- يبدو أن العناية الإلهية قد وضعته في طريقنا، وقادتنا إليه. أني أرى شبهاً بينه وبين ولدنا الراحل. إلا نوقظه؟
فتردد التاجر هنيهة ثم قال - لماذا؟ إننا لا ندري شيئاً عن أخلاقه.
فأجابت السيدة - إلا ترى هذه الملامح الطيبة؟! ألا تلاحظ هذا النوم البريء؟!
كانت همساتها تردد في المكان، ومع ذلك لم تسرع دقات قلب دافيد، ولم تبهر أنفاسه، ولم تشف ملامحه عن أي اهتمام لما يدور حوله، ولم يشعر (بالحظ) فوقه وعلى أهبة الاستعداد