وضياعك، وتمتع بأكلك وشربك، على أن تعدني أن تفعل الخير وتذكر الله. تمثله لنفسك في كل لحظة حتى تعلم أن كل ما حولك زائل وأنك ملاق ربك فمحاسبك حساباً لا يضيع فيه مثقال ذرة من خير أو شر.
بدا الوجوم على وجه النبيل وكأنه لم يفهم شيئاً. فاستمر القديس يقول:
- لا تحزن. إنك ستمكث في القصر - في نظرك - ولكنك ستكون مع ذلك من أتباعي. ما قيمة التمسك بالذيل واقتفاء الخطوة، في حين أن الروح متبلد والذهن غائب؟ ستتبعني بروحك. بإيمانك. . . ولك عليّ أنني لن أنساك في يوم. فلن يغيب عنك ندائي بل سأحمل شخصك في قرار قلبي. سأنشئ لك ولأمثالك طريقة خاصة بكم تلتحقون بها فتربطني وإياكم.
وعادت الردهة إلى هرجها ومرجها ودبت فيها روح البهجة ودارت الأطباق والأكواب، وسكن الثري إلى زوجه وداعب أولاده وبناته، ونادى كلبه الأمين فأقعى تحت قدميه.
والتفت النبيل (ع) فوجد الفتاة عن يمينه، والقديس يهم بالانصراف عن يساره. . . ولكن هاتفاً هتف به فإذا هو يتمتم لنفسه:
- نعم! لا تيأس من رحمة الله.
فجمع أطراف مسوحه، وجرى إلى الجمع واتخذ مكانه بينهم، لا في آخر الصفوف هذه المرة، بل وراء القديس كأنه يلوذ به. وتحرك الجمع يرددون وراء القديس قوله:
اتركوا الباطل الزائل واتبعوني!
ووقفت الفتاة صامتة برهة، ثم همست تقول:
- يا له من غر مسكين لم يفهم الوحي. لما نادته رحمة الله أن ابق، فإذا به يولي عنها وينصرف.