بنا نباهي به غيرنا من الشعوب. ولندع المؤلف يحدثنا عن هذه الغاية التي وصل إليها في دراسته، قال:(وقد تبين لنا أن تقييد الحقوق الفردية في الشريعة الإسلامية كان أوسع مجالا وأبلغ أثراً مما يحاول الفقه الحديث بنظرية سوء استعمال الحق، وإن هذه النظرية الناشئة لم تبلغ ما بلغته مثيلتها في الفقه الإسلامي منذ مئات السنين؛ وهذا طبيعي، فان النظرية التي تقرب أحكام القانون لقواعد الأخلاق - وكثيراً ما عمل فقهاء القانون الحديث على الفصل بينهما - يتسع لها المجال في تشريع أساسه الدين، وهو يأمر بالعمل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي)
ثم قال:(ويجدر بنا أن نختم بحثنا بالإشارة إلى أننا أغنياء بفقهنا عن أن نستعين بغيره من مستحدثات القوانين. وإن الشريعة الإسلامية التي وسعت العالم الإسلامي في أزهى عصوره وقضت حاجة بلادنا من التشريع مئات السنين، لا تقصر عن أن تكون أصلح مصدر للمشروع يأخذ منه أحكام قانون مدني موحد)
وليعذرني القراء بعد هذا إذا أنا سلكت في كتابتي عن هذه الرسالة سبيل التقريظ، فان مؤلفها على ما بلغ فيها من البسط لم يدع فيها مجالاً للانتقاد ولا محلاً للمؤاخذة، اللهم إلا ما ذكره في صفحة - ١٤٦ - من انتقاد تفسير الأستاذ الإمام لقوله تعالى (فان خفتم ألا تعدلوا فواحدة؛ ذلك أدنى ألا تعولوا) أي أقرب من عدم الجور والظلم، وقد جعل البعد من الجور سبباً في هذا التشريع، فانتقده المؤلف بأن تأويل آية التعدد يؤدي إلى اعتبار التعدد مباحا في الأصل، ويكون البعد من الجور قيداً لهذا الحق الأصيل، والقيد لا يكون سبباً في تشريع الحق الذي يتقيد به، فانه يمكن أن يحمل كلام الأستاذ الإمام على تشريع الاقتصار على واحدة عند خوف الجور، لا على تشريع التعدد الذي اعتبر البعد من الجور قيداً له
هذا وقد استفدت من قراءة هذه الرسالة أمراً أحب أن أنبه إخواننا الأزهريين إليه ليأخذوا له عدته، فقد رأيت بعد قراءة هذه الرسالة أنا سائرون إلى فتح باب الاجتهاد بخطى سريعة، وأن الأستاذ الجليل الشيخ أحمد إبراهيم إذا ظفر بعدد من التلاميذ النبهاء مثل ما ظفر بتلميذة النابه المجتهد صاحب هذه الرسالة، فانه سيسبقنا بتلاميذه إلى فتح هذا الباب المغلق. ولا يدري إلا الله ماذا يكون إذا تم فتح هذا الباب على يد غيرنا، فلنفكر ولنتدبر.