منها أنه واصل إلى نتيجة أن تلك الإمبراطورية محتوم عليها أن تتصدع، أو على الأقل أن ينصدع عنها نصفها عند أول حرب جديدة، ولكن القارئ يعجب إذا هو بلغ النتيجة فإذا بها:(من كل ما تقدم يمكن القول بأن لا محال للتشاؤم نحو مستقبل الإمبراطورية البريطانية). ثم استثنى من ذلك أيرلندة وحدها وقال عنها:(إنها سحابة تعكر هذا الجو)
ولا شك في أن الرجل الدبلوماسي هو المسئول عن مثل تلك المجاملة. لقد يكون من المستحسن أحيانا أن نجامل، ولكن المؤلف إذا تعرض لكلمة عامة كان واجبا عليه أن يسير مع المنطق، ومع المنطق وحده، والكلمة التي يقولها مثل الدكتور الكبير لها من الأهمية والوقع ما لا يكون لرجل دونه في المكانة أو أقل منه علما بما يقول
وفي الكتاب فوق كل ذلك نقد ثالث على وجه عام. فإننا إذا قرأنا عن الإنجليز لا يمكن أننا نقرأ عن قوم بيننا وبينهم مسألة قومية، وإذا كان المعنى في ذهن القارئ فإنه بغير شك يعجب أشد العجب إذا هو قرأ كتاب الدكتور الفاضل. إذا يخيل إليه إنه على تقدير إنما يقرأ كتابا لرجل من بلاد غير مصر عن قوم هو معجب بهم إعجاباً خاصاً
على هذا المأخذ الذي أخذناه على نظرة المؤلف لا ينبغي أن يعد مفسدا للكتاب أو منقصا من قدره نقصا فادحا، فإن البحث الذي ساقه المؤلف من دون هذه النظرة العاطفة المجاملة بحث جدير بكل إكبار. ففيه وصف للحياة الدستورية وأساليب الحكم في بلاد الإنجليز قلما يجد قارئ مثله في كتاب واحد؛ وفيه باب في تكوين الرأي العام يمكن أن يعد بحثا خاصا لصاحب رأي مجتهد مستقل؛ وفيه بحث في المسائل المالية استعرض فيه المؤلف الموقف العملي، ودس فيه نظريات المالية والاقتصاد زبدا وافية مع القصد والجمع للأطراف؛ وكان المؤلف موفقا كل التوفيق في بحثه الخاص بالتعليم في بريطانيا، فقد وصفه وصفا دقيقا يدل على نظره الفاحص وعقله الثاقب. فإذا نحن نقدنا لون التفكير ونغمته، فلا يسعنا إلا شكر المؤلف الكبير على بحثه فيما دون ذلك، وعلى هديته من المعلومات الثمينة التي زفها إلى قراء العربية